الفقر يجرّ الى عالم الجريمة و الامراض النفسية
|
*مازن حسن
أمام أي مشكلة قد تحصل في أي مجتمع فإن رد الفعل الطبيعي يستدعي أن يتم التحرك على صعيدين. الأول أن يتم التحقق من وجود المشكلة والثاني أن يتم العمل على اتخاذ الخطوات الكفيلة بمعالجة تلك المشكلة وهذا هو الأسلوب العلمي والواقعي الذي تتبعه المجتمعات المتقدمة، حيث أنه ما أن يتم تداول قضية معينة من خلال وسائل الإعلام أو غيرها من وسائل التعبير فإن الجهات المختصة بالقضية المطروحة تبدأ بعملية جمع المعلومات وتقصي الحقائق من أجل الوصول إلى الحقيقة والوقوف على مصادرها إن كانت صحيحة أو خاطئة ومن ثم يبدأ الشروع في التعاطي من خلال وضع الحلول المناسبة.
ولأننا لسنا بدعاً من الشعوب والمجتمعات فإننا من الطبيعي أن نتعرض لمشكلات إما بسبب القصور أو التقصير سواء في طريقة التفكير أو في الأداء ولا يستطيع أي إنسان مهما كان علمه أو معرفته أن يتجاوز هذه الحقيقة إلا من عصم الله عز وجل، ولأننا كذلك لا نضع بلادنا في مصاف الدول المتقدمة فإننا بحاجة إلى أن نتعلم من غيرنا الأفضل لكي نصل إلى ما وصلوا إليه علماً ومعرفة وتقدماً، وهذا يستدعي منا أن نسلك الطرق الطبيعية للارتقاء بمجتمعنا وبلادنا ولذلك لا ينبغي لنا أن ننزعج أو "نفزع" إذا ما تم الحديث عن مشاكل نعاني منها على أي صعيد كان سياسياً أو اقتصادياً بل حتى اجتماعياً وقد جاء في الحديث "رحم الله امرءاً هدى إلي عيوبي" سواء كان ذلك من قريب أو بعيد من صديق أو حتى من عدو. ومن أجل ذلك كانت الصحافة تمثل السلطة الرابعة إلى جانب المجالس النيابية التي تقوم بدور المراقبة والمحاسبة وإعطاء الثقة ونزعها حتى لا يستمر وجود التقصير والإهمال الذي يؤدي إلى تحول الخطأ إلى ظاهرة قد تستعصي على الحل.
إن إحدى المشاكل التي ينبغي النظر إليها بجدية في بلادنا اليوم هي حالة الفقر والحاجة لدى قطاع كبير من الناس وهي ليست قضية جديدة على الطرح. فالارقام والتقارير على الصعيدين الاعلامي والصحفي من جانب والرسمي المحلي والاممي من جانب آخر، كثيرة ومثيرة للأسى..ومن خلال مشاهدات واقعية. لذا فإن الأمر لا يستدعي الانزعاج بقدر ما يستدعي صحوة في الضمير وحكمة في التعاطي مع مشاكلنا..
إن من الغريب أن تبقى هكذا قضية مهمة وحساسة رهينة تبحث عن علاج مفقود وسط حالة من التخبط والفوضى في التخطيط وادارة موارد الدولة والتنمية البشرية والاقتصادية. بل ومن المعيب أن تثار قضية الفقر ويتم التعامل معها من قبل المسؤولين الرسميين في الدولة بكل برود على مدى سنوات مديدة مكتفين بطرح وعود ومشاريع لايتم تنفيذ ولو نسبة ضئيلة منها، وإن اعترفوا وتحدثوا بالمشكلة يبدون في خطابات التنديد والتحسر والتحذير من الفقر وآثاره. وكأنهم يتحدثون بلسان جهة معارضة، وليسوا هم اصحاب قرار ومسؤولية !؟.
إن الفقر ظاهرة خطيرة تترك أثاراً سلبية على المجتمع وتؤثر بشكل كبير على الجوانب التربوية والنفسية والصحية كما تشير الكثير من تقارير المختصين من الأطباء وعلماء النفس والاجتماع. وما لفت نظري هو تقرير كان ينبغي أن يحدث ضجة اجتماعية وإعلامية من أجل تلافي المخاطر الكامنة جراء تزايد حالة الفقر في مجتمعنا، و يشير فيه احد الاطباء النفسيين إن 20 % من المرضى النفسيين يعانون من اضطرابات شديدة، وتعتبر المشكلات النفسية لدى الربع منهم متوسطة و أن 40 - 60% من أفراد المجتمع يعانون من مشكلات نفسية بسيطة لا تصل إلى مستشفى الطب النفسي وتتردد على المراكز الصحية.
ومن الطبيعي أن يثار هذا التساؤل ما الذي يجعل الناس يصابون بهذه الحالة النفسية؟، فإما هو نتيجة لحالة الرفاهية الزائدة، وإما نتيجة لحالة الفقر، أو لأسباب أخرى ينبغي البحث عنها، والدراسات تؤكد أن الفقر والعوز والبطالة، أحد الأسباب المباشرة للأمراض النفسية، والاخطر من ذلك انها من الاسباب المهمة في سلوك طريق التطرف والانحراف و الجريمة بكل انواعها واشكالها..
|
|