معركة بدر الظافرة.. الاختبار الناجح للصبر والايمان
|
*سعد الشمّري
في شهر رمضان، شهر الصبر والاستقامة، حقق المسلمون فيه النصر المؤزر على اعدائهم المشركين، وكانت ضمن سلسلة انتصارات عليهم في مواقع عديدة منها الاحزاب وفتح مكة وغيرها، ولكن معركة بدر كانت لها خصوصية مطلقة حيث كانت غزوة ظافرة يجربها المسلمون ويلمسونها بايديهم وهو اليوم الذي سماه الله سبحانه وتعالى يوم الفرقان لان النصر الذي بارك الله به على المسلمين وعباده المؤمنين في معركة بدر كان فاصلاً بين الحق والباطل. ليس هذا فقط وانما كان يوماً فاصلاً في تاريخ الاسلام والمسلمين انتقلوا خلاله من مرحلة الخوف والاستضعاف الى مرحلة القوة والعزة.
تكتسب غزوة بدر التي وقعت في السابع عشر من شهر رمضان المبارك اهمية بالغة في تاريخ الاسلام كونها تمثل اول تجربة يخوضها المسلمون في ساحة القتال مع كفار قريش الذين عارضوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته الى التوحيد والدين الاسلامي، وكذلك كانت مثالاً لقوة عقيدتهم وتضحياتهم، كما جسدت في الوقت نفسه قوة النفس والصبر في الانسان المسلم المجاهد في سبيل الله والمدافع عن دينه وعقيدته. فقد وقعت في السنة الثانية للهجرة وهو العام الذي فرض الله تعالى على المسلمين الصيام لاول مرة. إذن، لابد من تسليط الضوء على هذه التجربة ولابد من دراستها من كل أبعادها حتى يتسنى لنا الاستفادة من هذه التجربة في حياتنا اليومية.
النصر بقوة العقيدة
لبث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة ثلاثة عشر عاماً عكف على تصحيح عقيدة الناس وارشادهم الى التوحيد و عبادة الله تعالى بانه هو القادر الوحيد على كل شيء وهو الذي يدخل الجنة من اطاعه ويدخل النار من عصاه، وفي تلك الحقبة الزمنية أسلم الكثير عن طريق حبهم للعقيدة وانتقلوا من ذل الوثنية الى عز الوحدانية.
وبهذه الروحية والنفسية العالية تلقوا أوامر الله بمواجهة المشركين، فخاضوا أول معركة حقيقية مع اقوى جيش في الجزيرة العربية آنذاك من حيث قوة السلاح والعدد، وكان عدد المشركين حينها يفوق عدد المسلمين ثلاثة اضعاف ولقد علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان النصر حليف المسلمين في هذه المعركة اذا انزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابلغه قوله تعالى: "وما جعله الله الابشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم" (آل عمران /126).
لقد شكلت معركة بدر انعطافة تاريخية في مسيرة الدعوة الاسلامية، وتحولاً عظمياً في مجرى الصراع بين المسلمين والمشركين بحيث ضمن هذا الانتصار ديمومة الدين الاسلامي، وفي نفس الوقت شكل هذا الانتصار المفاجئ صدمة قوية لقريش افقدها توازنها وغيّر موازين القوى العسكرية لغير صالحها، مما ادى الى كسر شوكة قوة المشركين في الجزيرة العربية الى الأبد. وبالمقابل اظهرت (بدر) قوة المسلمين كقوة لايستهان بها ليس في الجزيرة العربية بل في جميع أنحاء العالم، حيث أيقظت عيون القبائل العربية وغير العربية على واقع جديد جعلها تحسب ألف حساب قبل ان تخطو الى الامام لمواجهة الدين الجديد ومن يحرسه من المسلمين الأشداء.
الصبر يشجع على الاستعداد النفسي
ان أهم عوامل النصر والغلبة في ميادين القتال، هو الصبر في جوانبه وصوره العديدة، كأن يكون الصبر على الحاجات الاساسية مثل الطعام والشراب واللباس، أو الصبر على الأذى والصعوبات والمنغّصات والصبر على التحدي النفسي، حيث كان المسملون يقفون بعدة قليلة أمام جيش مجهّز ومجرب وباعداد كبيرة.
وهنا نرى الصبر تمثل في ملكة نفسية لدى المسلمين لخوض الجهاد في سبيل الله والعمل على نشر الاسلام، فلم تكن المشاكل والازمات عائقاً في تطبيق ما افترضه الله عليهم من صلاة وصيام بل العكس من ذلك كان مدعاة اصرار وتحد على اظهار مدى قدرتهم على الصبر والتحمل لتحقيق الاهداف العليا للرسالة، كما تحولت تلكم المشاكل الى امتحان للنفس بتحدي الشهوات وليس الجوع والعطش فحسب وانما لتضاعف الحسنات وتقديم التضحيات في آن واحد.
صدمة اليهود بعد بدر
اما على الصعيد الاجتماعي فقد كان نبأ انتصار المسلمين في (بدر) صدمة قوية لليهود في الجزيرة العربية، فلم يصدقوا ماحصل كما انها كشفت ماكان يختزنه اليهود من حقد وكراهية للمسلمين فسخروا من هذا الانتصار وحاولوا التقليل منه مما جعل الاوضاع تتأزم بينهم وبين المسلمين خاصة من جانب قبيلة بني القينقاع التي باشرت بنقض العهد مستفيدين من صبر واخلاق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن امام حالة الخطر التي باتت تشكلها تحرشات هولاء ماكان للرسول الا ان يقاتلهم. فانتهى الامر باجلائهم نهائياً من المدينة بعد أن رأى وجودهم يشكل خطراً على مسيرة الرسالة.
وهكذا كانت معركة بدر نقطة تحول في تاريخ الصراع بين الحق والباطل، وبين الاسلام والكفر، بل انها رسمت معالم المرحله المقبلة في مسيرة الاسلام وانتشاره في الارض، حيث ارتكزت معادلة جديدة في العالم، وهي الغلبة للمفاهيم الاخلاقية والدينية مثل الصبر والايمان والتضحية والوفاء والصدق وغيرها، وليس فقط للسيف والعنف وقوة السلاح، وكان المسلمون مصداق الآية الكريمة التي تحدثت عن قوم طالوت وكيف انهم مع قلتهم غلبوا الملك الطاغية (جالوت): "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين".
|
|