قادة العالم .. على مقاعد الدراسة
|
أ. بدر الشبيب
تخيلت كل قادة العالم المعاصر جالسين في فصل دراسي يتعلمون شيئا يسيرا من سيرة النبي المصطفى (ص)، وبعد كل درس يعودون لأنفسهم ليسألوها: أين نحن من هذا؟.
قال لهم المعلم: كان النبي (ص) رجلا من الناس يعيش في الناس (يأكل الطعام ويمشي في الأسواق )، يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، وكان في غاية التواضع (يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري ويردف خلفه ). و قال لهم المعلم: كان النبي (ص) يحمل هم العالم كله، ينفتح على كل الناس ويسعى لخلاصهم (يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا )، لم يكن لقبيلة أو طائفة أو شعب، بل كان رحمة للعالمين، يدافع عن مبدأ المساواة الإنسانية ويتمسك بمعيار التفاضل الحقيقي (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، كان بالفعل قائدا مبدئيا يعلن بصراحة متناهية أن لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. وقال لهم المعلم: كان النبي (ص) يقود الناس بالمحبة، وليس بالحديد والنار، (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، كان يسهر على راحتهم وإدارة شؤونهم (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم )، وكان يصيبه الحزن الشديد على أعدائه الذين استمرؤوا عبودية الذات أو الآخرين، ولم يعودوا قادرين على التمييز بين ظلمات الجهل ونور العقل، فخاطبه ربه مشفقا عليه (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ).
قال لهم المعلم: كان رسول السلام، يهدي إلى سبل السلام، ويدعو أتباعه للدخول في السلم كافة، وإذا فرضت عليه الحرب كان لا يحيد عن الالتزام بالأخلاق السامية حتى في أحلك الظروف، فلا يقتل أسيرا ولا يجهز على جريح، ولا يقتل النساء والأطفال؛ بل إنه طلب من أسراه أن يعلم كل واحد منهم عشرة من أطفال المسلمين القراءة والكتابة ليحصل على حريته.وقال لهم المعلم: كان قائدا في كل المجالات، ففي معركة الخندق أو الأحزاب، وبعد أن استشار أصحابه، حدد بنفسه مكان الخندق وطوله وعرضه وعمقه، واستطاع في ستة أيام أو ضعفها على أكثر تقدير أن ينجز ذلك المشروع الضخم الذي يمتد لخمسة كيلو مترات في عرض 4 أمتار وعمق 5 أمتار. لم يضع حجر الأساس للمشروع ثم ينصرف، بل شاركهم بالفأس والمسحاة والمكتل، يحفر ويزيح الرمل وينقله على عاتقه الشريف، وشاركهم حتى الجوع والعناء.وقال لهم المعلم: كان خير داعية للحرية الحقة (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )، ويطبق الشورى على نفسه قبل غيره (وشاورهم في الأمر )، لم يكره أحدا على الدخول في دينه، وأسس دولة أعطت الأقليات الدينية حرية لم تشهدها من قبل، على قاعدة (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ). وقال لهم المعلم: كان عظيما في علمه (وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) وعظيما في أخلاقه (وإنك لعلى خلق عظيم )، وبالتالي كان عظيما في كل شأن من شؤونه، ومع كل تلك العظمة يأتيه رجل ليكلمه وفرائصه ترتعد، فيقول له في تواضع صادق: هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد. وقال المعلم: كان يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده، كان أكثر الناس تبسما، يقبل معذرة المعتذر إليه، ما شتم أحدا بشتمة، ولا رد حاجة محتاج، يغفر ويصفح ويعفو، لا يجزي بالسيئة السيئة، وكان في الرضا والغضب لا يقول إلا حقا.
كان المعلم يصمت برهة بعد كل مقطع ليمنحهم فرصة العودة إلى أنفسهم وسؤالها، وكان يقرأ الجواب في تقاسيم وجوههم وتعبيراتها التي لا تخطئها العين. وبعد المقطع الأخير وجه إليهم السؤال في محاولة لاستنطاقهم: أين أنتم من هذا؟. كان الصمت أبلغ جواب !.
|
|