قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

برعاية المرجعية الدينية .. ست روضات خيرية في كربلاء المقدسة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة جهود تربوية ومنهجية أصيلة ترنو الى الدعم والمساندة
*تحقيق / قاسم نصر
بما أنه عنصر رقيق الطباع، مرهف المشاعر، ضعيف البنية، لاشك يكون أول المتضررين من قسوة الحياة وزحمة المشاكل التي يمر بها العراق حالياً، فكان لابد من التفاتة رحيمة – مسؤولة من لدن مؤسسات وهيئات تعنى بالشأن الثقافي والاجتماعي مدعومة من قبل الحكومة المنتخبة جماهيرياً، وفي كربلاء المقدسة وجدنا تجربة ناجحة ومثمرة قامت بها إحدى المؤسسات المرجعية بفتح رياض أطفال في مناطق متعددة، فكان من الجدير تسليط الضوء على هذا المشروع الخيري والواعد من خلال هذا التحقيق.
برعاية من سماحة المرجع السيد آية الله العظمى محمد تقي المدرسي (دام ظله) وتحت اشراف فضيلة السيد محمد جواد المدرسي المشرف على مؤسسة أمير المؤمنين الخيرية، ظهرت فكرة إقامة رياض أطفال في كربلاء المقدسة، لاستيعاب الأطفال من شرائح مختلفة من المجتمع، وهي ست روضات خيرية تستقبل الأطفال دون مقابل.
العاملون بهذه الروضات والمشرفون عليها لهم أهداف وطموحات يسعون لتحقيقها والتي منها الاهتمام بمستقبل الجيل الناشئ فبدأوا مع الاطفال الصغار ومن مرحلة الروضة. حيث تستقبل هذه الروضات الأطفال من سن الرابعة أو الثالثة وحتى السادسة من العمر، عندها يكون مؤهلاً لدخول المدرسة.
وعن الحديث عن الأهداف والطموحات حدثنا مدير مؤسسة أمير المؤمنين (عليه السلام) الأستاذ عبد الغني الأسدي قائلاً: لدينا قسم الإشراف التربوي لرعاية الأيتام بادارة عدد من الشباب الفاعل أمثال؛ كضام الجابري ورائد صباح وسيد عقيل الصافي وآخرين، وهؤلاء الاخوة يطمحون الى هدف رئيس يتمثل في خلق جيل من أبناء المجتمع المتدين النافع الذي يحمل راية الاسلام ويكون امتداداً للحوزة العلمية والمراجع العظام، لذلك كان الاهتمام بالجيل القادم امراً ضرورياً تطبيقاً للحديث المأثور: (التعلّم في الصغر كالنقش على الحجر) وهذا الجيل – إن شاء الله- سيحمل في المستقبل نهج أهل البيت (عليهم السلام) ويجسد سيرتهم.
وأضاف مدير المؤسسة: إن اهتمامنا بهؤلاء الأطفال نابع من الحرص على تحصينهم فكرياً حتى لا نترك مجالاً للمؤثرات الاعلامية والثقافية لاسيما التلفزيونية منها لتترك أثرها في نفوسهم وأذهانهم، وبالنتيجة تشوه عقيدتهم وتحرف سلوكهم، خاصة ونحن الآن نعيش في مجتمع عراقي محافظ وهو موالٍ لأهل البيت وبجوار الإمام الحسين (عليه السلام) والذي يستمد الآخرون منه دروس التضحية والجهاد و الكفاح ضد الظلم والانحراف، وأضاف مستطرداً: نحن أمام عواصف الأفكار والتيارات الأخرى وعلينا التصدي لها من خلال منهج الإمام الحسين (عليه السلام) ومبادئه فنحن علينا ان نعلّم الاطفال منهج الإمام الحسين (ع) وفكره.
المناهج التدريسية
عندما يكون الحديث عن التربية والتعليم على النهج الاسلامي الصحيح، لابد وأن يكون أمامنا المنهج الذي يؤدي بنا الى الهدف المطلوب، وكان الأمر كذلك في الروضات الست التابعة لمؤسسة أمير المؤمنين (عليه السلام)، طبعاً لم تسنح الفرصة لتفقّد جميع هذه الروضات الموزعة على مناطق متعددة في المدينة المقدسة، لذا اقتصرت جولتنا على روضتين هما: روضة القاسم بن الحسن في (حي الحسين)، والثانية؛ هي روضة السيدة رقية، وكلا الروضتين تقدم خدماتها دون مقابل، وخلال زيارتنا لروضة القاسم بن الحسن حدثتنا المديرة قائلة: هذه الروضة مجانية للأيتام وبأسعار رمزية للآخرين، ولها منهج تعليمي يعتمد بالأساس على القرآن الكريم والتربية الاسلامية والأخلاقية والتي تتضمن أحاديث النبي وأهل بيته وقصص الأنبياء وأهل البيت (عليهم السلام)، وفضلاً عن كونها مجانية التعليم، فان هنالك مُنحاً تقدم من قبيل كسوة شتوية وأخرى صيفية لجميع الطلاب بدون استثناء، ومن البرامج المثيرة، القيام بزيارات للروضات الأخرى، حيث خصصنا زيارة الى إحدى الروضات كل اسبوع وسفرات الى المتنزهات العامة في كل شهر.
وفي روضة السيدة رقية الكائنة في (حي النصر)، حيث التعليم والنقل مجاناً، لاحظنا وجود حانوت للطلاب يقدم بعض المأكولات مجاناً للأيتام، فضلاً عن توزيع الهدايا على الأطفال والرواتب على الأيتام، وتحدثت لنا مديرة هذه الروضة عن المنهج بشكل مفصل و الدروس التي يعطونها الى الطلاب مبينة: أن منهج التعليم عندنا هو تعلم القرآن الكريم، والى جانب القراءة والكتابة والصلاة فهناك دروس في التربية والأخلاق وخصوصاً أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) وآداب السير وآداب الطعام فضلاً عن الدروس الأخرى في اللغة العربية والرياضيات والأوزان والأرقام وتعلم حروف اللغة الانكليزية وأرقامها العشرة على شكل ملازم صغيرة مصورة بأشكال جميلة جداً والتي تؤدي الى جذب الطفل الى قراءتها وتعلم العلوم الأخرى كأعضاء جسم الإنسان، وتعريفهم بالحيوانات المفترسة والاليفة والزراعة وعدم قطع الأوراد والاعتناء بها، والحديث عن الأطفال وتعليمهم قصار السور.
مواهب واعدة
كل هذه الجهود والمساعي في التعليم والتربية، لابد وان تؤتي ثمارها، فقد وجدنا طفلة في روضة القاسم بن الحسن تحفظ سورة يس كاملة، فيما تشهد باقي الروضات إقامة محافل ومجالس لأهل البيت (ع) في أوقات الأفراح والأحزان للأئمة، وأصبح الأولاد يعرفون مولد الإمام الحسين (ع) مثلاً واستشهاده بحيث أصبحوا هم اصحاب المبادرة داخل الروضة، فبدأوا يستذكرون المناسبات الحزينة والسعيدة للأئمة الأطهار فيقيمون المجالس داخل الروضة.
هذا ما أكده لنا مدير المؤسسة الأستاذ الأسدي خلال زيارتنا له في مقر المؤسسة، مؤكداً إن منهج التعليم والتربية في الروضات يتضمن الاهتمام بالقضايا التربوية، والركيزة الاساسية للتعلم هو القرآن الكريم والتعلم والتدبر فيه، وهذا المنهج مطبق في الروضات كافة، ولدينا فضلا ًعن تعليمهم الشيء الأساس والأهم هو القراءة والكتابة وتعليمهم الفضائل التي تجعل الطفل يميز الخطأ عن الصواب، وعن أهمية الصلاة وكيف يؤدونها قال الأخ الأسدي: وضعنا منهجاً لحفظ قصار السور القرآنية وهناك دروس أيضاً عن حب الوطن والدفاع عنه وذلك من خلال الأناشيد، كما هنالك أناشيد أيضاً عن كل إمام معصوم يحفظونها ونعرض لهم قصص الأئمة والانبياء.
ومن الملفت في هذا المجال، وفي الروضتين المذكورتين إعطاء الدرس للأطفال عن كل إمام معصوم وقصة حياته، وذلك ضمن سلسلة من الدروس تقدمها الروضة كقصة بطلة كربلاء و واقعة كربلاء، ومن ثم تعرض هذه القصة على شكل أقراص (سي – دي)، وهي تتضمن نفس الاحداث والتفاصيل التي سمعها الطفل من المعلمة.
وتحدث الينا الأستاذ الأسدي عن مسيرة هذا المشروع الخيري وخلفيته، وقال: إن وجود مرجعية سماحة السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله) تشكل دافعاً قوياً للمضي في هذا المشروع، فهو علمنا كيف نكون شباباً رساليين منذ الصغر ونحن الآن نقوم بدورنا في تعليم صغارنا وأطفالنا ليكونوا جنوداً لأهل البيت وأن يضحوا من أجلهم، ونريد أن نخرج شباب رسالي من هذا الجيل الصغير في المستقبل كجيل واعٍ يفهم ويدرك التمسك بأهل البيت (ع)، من هذا المنطلق أسسنا مؤسسة أمير المؤمنين الخيرية، واليوم تضم المؤسسة برعايتها أعداداً كبيرة من الايتام حيث تدفع لهم الرواتب شهرياً وهي تسد جزءاً بسيطاً من حاجة اليتيم، أما عن توزيع الروضات في مدينة كربلاء المقدسة، فقال الاستاذ الأسدي: نحن قمنا بتوزيع هذه الروضات على أساس الكثافة العددية للايتام والمناطق الفقيرة والمحرومة من التعليم، وأوضح لنا بأن الروضات مجانية كما تقدم خدمة النقل لليتيم من داره الى الروضة وعودته وبأسعار رمزية للآخرين.
تتوزع الروضات الست كالتالي: روضة السيدة رقية في (حي النصر)، و روضة القاسم بن الحسن في (حي الحسين)، روضة الحسيني الصغير، روضة عبدالله بن الحسن في (حي العامل)، و روضة فاطمة الصغرى في (حي العباس).
المشاكل والمعوقات
في الوقت الذي يتوقع من المؤسسات الحكومية أن تمدّ يد العون والمساندة لمثل مشاريع خيرية واجتماعية كهذه، نجد العكس من هذا الحال، فمؤسسة أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تطلب المعونة والدعم المفترض من الدولة، إنما تشكو العقبات والعراقيل التي تضعها بعض دوائر الدولة أمام مشاريعها لاسيما مشروع رياض الاطفال.
وعن هذا الجانب قال الاستاذ عبد الغني الأسدي: إن مشاكلنا وصعوباتنا تأتي من قبل المؤسسات الحكومية و من وزارة التربية التي تضع المعوقات أمام هذه المؤسسة الخيرية بفرض رسومات مالية عليها، حتى وإن كان المشروع خيرياً وليس ربحياً، وأوضح بالقول: على الوزارة أن تنظر وتميز بين المشروع الخيري والمشروع الربحي، كما على الوزارة أن تلتفت الى المشاريع الخيرية وتدعمها بدلاً من أن تقف عقبة أمامها بفرض الرسوم المالية فضلاً عن أننا لا نمتلك بنايات خاصة بنا، إنما جميعاً بالإيجار.