في ضوء القرآن الكريم
(الغضب) يهدد سلامة جسم الانسان
|
*إعداد / زكي الناصر
على الرغم من أن الغضب من الصفات والحالات المذمومة في السلوك الانساني، إلا اننا نشهدها دائماً وفي معظم الأحوال في حياتنا اليومية ابتداءً من البيت ومروراً بالشارع وحتى مكان العمل.
ويأتي القرآن الكريم لا فقط لينهى عن هذا السلوك، كما هو موجود، ومؤكد في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، لكن أيضاً ليضعنا أمام حقائق علمية باضرار ومفاسد وكذلك الحلول الكفيلة للتخلّص من هذه الحالة والعادة السيئة. فقد بينت التجارب والابحاث على أن الغضب يؤدي الى ضعف جهاز المناعة في الجسم كما يؤدي الى زيادة مفرطة في الوزن ويزيد من احتمالات الاصابة بالسكتة القلبية، وربما هنالك آثار لم يتوصل اليها الطب الحديث حتى الآن.
تقول الدكتورة آنا مارشلاند من جامعة (بيتسبره) الأمريكية إن ذوي المعدلات العالية من التنبه العصبي (نيوروتيسيزم) قد لا يتمتعون بجهاز مناعة قوي بما فيه الكفاية. فقد قام باحثون في كلية الطب في هذه الجامعة تحت إشراف الدكتورة مارشلاند، بفحص ردود فعل أكثر من ثمانين متطوعاً حقنوا بلقاح لمعالجة مرض التهاب الكبد الوبائي، وهو مرض فيروسي، واللقاح ينشّط جهاز المناعة في الجسم من خلال تعريضه لكمية صغيرة جداً من الفيروس، كما أُدخل المتطوعون في اختبار لقياس طبيعة شخصياتهم ودرجة تنبهها العصبي.
وتبين للعلماء أن من لديهم درجات عالية من التنبه العصبي يميلون إلى التقلبات المزاجية الشديدة، وإلى التعصب الكثير، يميلون أيضاً إلى تسجيل استجابات أقل من حيث جودة الأداء للقاح مرض التهاب الكبد الوبائي مقارنة بنظرائهم الذين لهم معدلات طبيعية من التنبه العصبي. وربما تفسر هذه النتائج ما خلصت إليه دراسات سابقة من أن ذوي التنبه العصبي العالي أكثر عرضة من غيرهم لمشاكل الأمراض وتعقيداتها.
من جانب آخر أفادت دراسة جديدة بأن عدم قدرة المراهق على التحكم في الغضب قد يسبب له مشكلات صحية في المستقبل. وخلصت الدراسة إلى أن المراهقين الذين يعانون من مشكلات في التحكم في غضبهم يكونون أكثر عرضة لزيادة الوزن. وقال العلماء في الاجتماع السنوي لجمعية القلب الأمريكية في سان فرانسيسكو إن المراهقين الذي يكتمون شعورهم بالغضب يتعرضون لخطر السمنة أو زيادة الوزن وهو ما قد يؤدي إلى تعرضهم لأمراض مثل مرض القلب أو السكري.
وقام أطباء من مركز علوم القلب في جامعة تكساس بدراسة 160 مراهق تتراوح أعمارهم ما بين 14 و 17 عاماً على مدى ثلاث سنوات. واستخدم الأطباء اختبارات نفسية لمعرفة كيفية استجابتهم للغضب. ووجد الأطباء أن المراهقين الذين يمكنهم التحكم في غضبهم والتصرف بشكل مناسب عند الغضب يكونون أقل عرضة لزيادة الوزن. أما من يعانون من مشكلات في التعامل مع الغضب سواء بكبت مشاعرهم أو فقدان أعصابهم فهم الأكثر عرضة لزيادة الوزن.
وقال علماء أمريكيون إن المزاج السيئ لدى الشباب الذكور قد يؤدي إلى الإصابة بمرض القلب في وقت مبكر في الحياة. جاء ذلك في نتائج دراسة توصلت إلى أن الشباب الذكور الذين ينتابهم الغضب عند التعرض للتعب والإرهاق العصبي أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب من غيرهم بنسبة تبلغ ثلاث مرات. وبينت الدراسة أن الشباب الغاضبين أكثر عرضة للإصابة المبكرة بالسكتة القلبية من أقرانهم الهادئين بنسبة تصل إلى خمس مرات، حتى لو كانوا ينحدرون من عائلات يخلو تاريخها من أمراض القلب.
وتؤكد الدكتورة باتريشيا تشانج التي قامت بالإشراف على جزء من البحث الذي تم إعداده في الولايات المتحدة أن عدداً من الشباب عبَّر عن غضبه، بينما تمكَّن عدد آخر من إخفائه، ولكن عدداً كبيراً من المشاركين كانوا سريعي الغضب وتنتابهم نوبات متكررة من التذمر. وبيَّنت الدراسة أن المزاج السيئ يتنبأ بالأمراض قبل ظهور أعراضها مثل مرض السكري وضغط الدم.
وقالت الدكتورة تشانج إنه بالرغم من أنه لا يعرف بعد كيف يسبب الغضب أمراض القلب، فإن الأدلة تشير إلى أن الإرهاق يطلق كميات مفرطة من هرمونات تعرف باسم (كاجولامينيس)، منها الأدرنالين، الذي يتكون بشكل طبيعي في الجسم وينقل عادة الإيعازات. وتهيئ هذه الهرمونات الجسم في حالات الطوارئ مثل الإصابة بالزكام، أو الإرهاق العصبي أو الصدمة وذلك بتقليص جدران الأوعية الدموية والضغط على القلب للعمل أكثر لضخ كميات إضافية من الدم.
هذا ما توصل اليه علم الطب، وهو غير قادر عن معالجة هذه الحالة التي تُعد نفسية وليست عارض مرضي، إنما يأتي على النتائج الموجودة، يرصدها ويناقشها ويحلل أسبابها، أما القرآن الكريم فيغوص في أعماق الانسان وما تكنه نفسه من دوافع وغرائز وغايات، كلها لها دخل في بروز حالة الغضب وانفجارها في لحظة ما، ثم يضع العلاج الشافي الذي قد لا يتصوره إنسان، يقول تعالى عن صفات المتقين الذين استجابوا لربهم: "وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ" (الشورى: 37). بما ان الغضب يصدر من احتكاك انسان بآخر، وبسبب سوء الفهم أو عدم التطابق في الافكار والرؤى، فان القرآن يدعونا لأن نغفر لمن تسبب لنا بالغضب وبكل سهولة تتم معالجة الغضب وامتصاصها نهائياًً.
هذا بحاجة الى صبر كبير وقلب واسع، يجعل صاحبه هادئاً منبسطاً يمكنه اتخاذ القرار الصحيح، والأهم من ذلك قصد القربة الى الله تعالى في غض الطرف عن الاساءة أو الإثارة مهما كانت: "وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" (الرعد: 22-24).
وهنالك آيات عديدة تؤكد هذه المعادلة يقول تعالى: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت: 34).
والى جانب القرآن الكريم، فان الأئمة المعصومين تركوا لنا وسطروا لنا دروساً عظيمة من حسن السلوك والتصرف مع الآخرين في حالة الغضب وإثارة الاعصاب، وفي مقدمة هذه الروضة البهية نجد الإمام موسى بن جعفر قد حاز لقب (الكاظم)، لشدة حلمه وكظمه للغيض في أقسى الظروف والحالات. وكذلك كان سائر المعصومين (عليهم السلام)، وكيف لا يكونوا كذلك وقد استلهموا من جدهم المصطفى (صلى الله عليهم وآله) دروس التعامل مع الناس وفق نهج رسالي، رباني، وليس أناني ومصلحي. لذا يجدر بنا أن نلحق بهذه القافلة، وإلا سقطنا في الأزمات الاجتماعية تكبلنا التوترات النفسية والشد العصبي، فنكون فريسة للطامعين والكائدين الذين يتمنون تمزّق المجتمع الاسلامي وبقاءه متوتراً مشدود الاعصاب، لا يرى السعادة والاستقرار.
|
|