في ذكرى الأيام التي سبقت واقعة الطف..
طوعة.. طائعة أهل البيت (عليهم السلام)
|
*إيمان عبد الأمير
إنها واحدة من عظماء التاريخ الآن.. وفي جميع العصور..
إنها طوعة زوجة أسيد الحضرمي، أنها النجمة التي تألقت في سماء الكوفة الملبدة بغيوم سوداء داكنة، وتسلقت سلالم المجد ونالت وسام العظمة، بسبب موقفها المتميزة في سبيل الهدف المقدس.
ولعل نجم طوعة هو أبرز النجوم التي كانت قد لمعت في سماء الكوفة منذ حطّ مسلم رحاله فيها في الخامس من شوال سنة ستين، وحتى استشهاده في الثامن من ذي الحجة، رغم ذلك أنه كانت قد لمعت في سماء الكوفة نجوم أخرى، مثل: هاني بن عروة وحبيب بن مظاهر الأسدي وآخرين ممن ثبتوا على العهد وسجلوا أسماءهم في ديوان الإمام الحسين (عليه السلام).
فقد برزت طوعة من بين معظم نساء الكوفة، اللواتي كن يدفعن رجالهن نحو التخلي عن سفير الحسين، حيث كانت المرأة – كما تذكر الروايات- تأخذ بيد ابنها أو أخيها، أو زوجها وهي تقول: (انصرف فإن الناس يكفونك). أو (ما لنا والدخول بين السلاطين)، هذا فيما كان مسلم بن عقيل على وشك أن يفتك بالطاغية عبيد الله بن زياد وقد حاصره بعدة آلاف من المناصرين الذين هبّوا لنصرته أول وهلة، لكن انفراط عقدهم أدى تقديم طوق النجاة لابن مرجانة ومنحه جرعة الحياة ليتقوى على الحق وتدور الدائرة على مسلم وأهل الكوفة أيضاً، وحصل ما حصل.
طوعة و مسلم..
التاريخ يحدثنا أن مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه) لما وجد نفسه في غضون ساعات وحيداً في مدينة الكوفة، بعد أن بدأ الناس يتفرقون عنه، سار نحو أبواب كندة، وبدأ يبحث في أزقة المدينة، وفي طرقاتها، وقد اشتد به العطش وبات يسرع خطاه وهو يتوجه نحو المجهول!
وبينما هو كذلك، وإذا به يشخص امرأة جالسة على باب دارها، وعيناها تميلان نحو اليمين تارة، ونحو اليسار تارة أخرى، فقد كانت تنتظر ولدها الذي استبطأها ذلك اليوم على غير العادة.
فدنا منها قليلا وقال:
- السلام عليك يا أمة الله.
- وعليك السلام.. ماذا تريد؟
- هل لي قليلا من الماء!
ما هي إلا لحظات، حتى مثلت أمامه بيدين تحملان الماء، فشرب قليلا، ولكنه ظل واقفا ساكنا لا يتحرك.
فبادرته بالسؤال:
- ألم تشرب الماء؟!
- نعم.
- فما وقوفك على باب داري؟! إنصرف لإهلك عافاك الله راشداً، فإنه لا يصلح لك الجلوس على باب داري، ولا أحلّه لك.
عند ذلك أحس مسلم وكأن هموم الدنيا قد تكالبت عليه فلم يتمالك نفسه، فطفرت دمعة من عينيه، وهو يجيبها:
- أمة الله مالي في مصركم هذا لا أهل ولا عشيرة.
- من أنت؟!
- أنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب، كذبني أهل هذا المصر وغروني.
عندها أحست المرأة التي كان وهج الإيمان يشع من عينيها ويعلو قسمات وجهها، بسرور عظيم ملك فؤادها، فهي توّاقة إلى القيام بعمل يرضاه الله و رسوله، وتستبشر به عند الإمام الحسين، استقبلت المطارد المظلوم، و آوته في بيتها، وقامت بدور الحارس له من كيد الاعداء المتربصين.. ومع أنها لم تستطع أن تدرأ عنه الموت، ولكنها قامت بواجبها تجاهه.
لقد كانت طوعة في موقفها ذلك، أكبر وأشرف من جميع رجال الكوفة وشيوخها من الذين يدعون الرجولة والعلم، فقد كانت أكثرهم شهامة وبطولة ونبلاً، لقد بايع مسلم بن عقيل ثمانية عشر ألفاً، كان بعضهم رؤساء قبائل، وبعضهم الآخر فرسان حروب، إلا أن جميعهم نقضوا عهودهم من مسلم بن عقيل وانقلبوا على أعقابهم خاسرين، إلا أن طوعة، تلك المرأة الخالدة في التاريخ بقيت حجة على الرجال والنساء معاً.. لقد آوت مسلماً وحرسته.. وقدمت له الطعام والشراب، ثم دافعت عنه الاعداء عندما هجموا عليه وهو في الدار، ولم يكن مسلم بن عقيل يملك شيئا يقدمه لها غير الدعاء الذي بقي فخرا لها أبد الدهر، و وعداً بجزاء الله الأبدي لها في يوم الحساب.
|
|