الشيخ محمد حسن آل ياسين.. العالم والشاعر
|
*حسن هادي
من يطلّع عن كثب على شعر شيخنا الجليل محمد حسن آل ياسين يجد الكثير الكثير من الشعر الرائق حتى ليكاد يتيقّن ان الشيخ قد تفرد للشعر دون سواه من العلوم والفنون الاخرى.
ولكن للأسف الشديد لم يجد هذا الشعر يد العناية والاهتمام لجمعه، ولو قيّض لهذا الشعر من يجمعه فأنه يُغني المكتبة الادبية بتراث ضخم وسيكون ديواناً يضاهي دواوين الشعراء الكبار. والحقيقة تقال؛ انه لمن التقصير الكبير والاجحاف بحق هذه الثروة الادبية ان تجد أن هناك بعض قصائد الشيخ لا تزال مخطوطة ولم تشق طريقها الى النشر، مما تعد في حكم المجهول او تُعد من الادب المنسي وهذه خسارة كبيرة للادب العربي. أما ما تناثر من شعر شيخنا فقد توزع في جريدة (الساعة) البغدادية لصاحبها المرحوم السيد صدر الدين شرف الدين ومجلة (البيان) ومجلة (العدل الاسلامي) النجفيتين وكتاب (شعراء الغري) ج7 للاستاذ علي الخاقاني ضمن ترجمة حياته ص 545 - 553.
و رغم ان مؤلفاته القيمة في شتى العلوم وموسوعيته في العلم والفكر والادب تغني عن التعريف إلاّ ان مناسبة الحديث عن شعره تتطلب تسليط الضوء على جوانب شخصيته العلمية والادبية.
انه الشيخ محمد حسن بن الشيخ محمد رضا بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ باقر بن الشيخ محمد حسن آل ياسين الخزرجي. ولد في النجف الاشرف يوم 18 جمادى الآخرة سنة (1350هـ /1931م) وينتمي الى اسرة علمية عريقة عرفت بـ(آل ياسين)، تلقى شيخنا تعليمه الاول على يد والده الشيخ محمد رضا آل ياسين الذي عرفته الاوساط العلمية في النجف الاشرف من كبار فقهاء عصره والمرجع الاعلى فيها، فكان المعلم الاول لولده كما تتلمذ شيخنا على يد كبار علماء عصره امثال الشيخ عباس الرميثي والشيخ محمد طاهر آل راضي والشيخ مرتضى آل ياسين والسيد الخوئي.
دخل الشيخ محمد حسن آل ياسين منتدى النشر على يد الشيخ محمد رضا العلوي ثم انتقل شيخنا من النجف الاشرف الى مدينة الكاظمية المقدسة بعد وفاة عمه الشيخ راضي آل ياسين عام (1371هـ/ 1952م) وفيها بدأت رحلته العلمية التي توزعت بين الارشاد والتبليغ لاحكام الدين وامامة الجماعة والكتابة والتأليف والتي امتدت الى نصف قرن. والحديث عن مؤلفاته ونشاطاته الدينية والثقافية يحتاج الى دراسات مطولة. فقد أثرى المكتبة العلمية والثقافية الاسلامية بمؤلفات عظمية تركت بصمات واضحة في الساحة الثقافية، اما نشاطاته في خدمة الدين والمذهب فهي لا تعد، فقد أسس (دار المعارف للتأليف والترجمة والنشر) في الكاظمية المقدسة، كما أنشأ مكتبة الامام الحسن عليه السلام العامة وترأس الجمعية الاسلامية للخدمات الاسلامية للخدمات الثقافية واشرف على تحرير مجلة (البلاغ) اضافة الى محاضراته العديدة، كما كان عضواً في المجمع العلمي العراقي وقد أربت مؤلفاته في مختلف العلوم على المائة عنوان و74 تحقيقاً سوى الدراسات والبحوث التي كان ينشرها في مجلة (المجمع العلمي العراقي). واضافة الى إلمامه الواسع بكافة العلوم الدينية واللغوية والتاريخية والسير والتراجم والمعاجم والفلسفة والادب والفقه والاجتماع، فقد كان شيخنا يمتلك شاعرية كبيرة تجمع بين التاريخ وبين المتانة والقوة والبديع والبلاغة، كما تضمنت اشعاره الكثير من المعاني المبتكرة والاسلوب الهادف الرصين. يقول في قصيدته (يا رسول السلام) بمناسبة المولد النبوي الشريف:
اشرق الكونُ بالسنا يتوقّدْ
حينما أشرق الوليدُ (محمدْ)
حادثٌ هزّ عالم الارض بُشراً
فانحنت عنده العوالم سجّدْ
لاحَ في عالم الجهالةِ بدراً
يهتدي الكون في سناه ويرشدْ
وعلى الرغم من بروز السمة الخطابية في هذه الابيات الاّ انها تدل على ثراء لغوي امتلكه شاعرنا إلاّ ان مطلع القصيدة لايقدم انطباعاً واضحاً عن شاعريته، وهدف الشاعر ان يقدم اكبر قدر من الحقائق المتعلقة بمولد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ثم يتطرق الى القضايا الاخرى فيقول:
سَل رمال الصحراء كم من فتاةٍ
ضمنها من سفاسف الرأي توأدْ
نحتوا من صفا الحجارةِ ربّاً
هو من دون مبدع الكون يُعبدْ
فبدت قبسةٌ أضاء لها الأف ق و راحت في نورها تتوقدْ
ولا شك ان هذه اللوحة تعطي صورة عن شاعرية آل ياسين وهي تستمر في نفس الزخم والخيال والنغم الجميل. اما في قصيدته (غدير علي) والتي القاها بمناسبة يوم الغدير عام 1949م فيقول فيها:
قم تقرّ التاريخ سفراً فسفراً
واستبن موقف الركاب المسافرْ
وانقع القلب من غدير عليٍ
واستبق وارداً اليه وبادر
واشهد الحفل والنبيُ خطيبٌ
فيه ينهى امراً من الله صادر
شارحاً من جلال حيدر متناً
وقف الدهر دونه وهو حائر
عقد التاج للوصي فدوّى
بشعاب البيداء زهو البشائر
وتعالى الهتاف يخترق الجو
برناته العذاب السواحر
وتهادى (علي) يحمل اكليل
المعالي مبلج الوجه زاهر
ويتضح للقارئ من خلال هذه الابيات وهذا الاسلوب البديعي يجيء عفواً وتطبعاً نابعاً من احساس الشاعر لاضفاء دلالات وصور و ومضات حول المناسبة اما في قصيدته (في كربلاء) والتي كتبها عام (1965) فيقول:
قصدت شهيد الطف ملتجئاً به
ومن يك أولى منه ملجىً وملتجا
أقبلُ باباً صاغه الله للورى
طريقاً لتحقيق الاماني ومنهجا
والثم قبراً طبّق الارض والسما
سنا بالدم الزاكي الطهور ممّوجا
وأستاف من ذاك الضريح وتربه
عبيراً بأشذاء الجنان مؤرجا
اما شعره السياسي فقد جاء ملتهبا بالروح الوطنية والعواطف المتأججة فالاحداث السياسية في العراق والوطن العربي لم تغب عن ذهن الشاعر الذي كان يرصدها ويعيش في وسطها فجاءت قصائده السياسية عالية النسيج بارعة الصور يقول في قصيدته (ثورة الجزائر) والتي كتبها عام 1955م :
يا نهضة الاحرار الف تحيةٍ
تزجى اليك من العراق وتبردُ
سيري على اسم الله نحو كفاحك الدا مي كما يمشي الهزبر الملبّدُ
وتحمّلي نصب النضال وجهده
فالنصر لايؤتاه من لايجهدُ
وتقدمي للموت دون ترددٍ
هيهات يُدرك حقه مترددُ
واستنقذي ذاك العرين وطهره
من ان يُدنسه الدخيل المفسدُ
وتلفعي بالاصطبار فيومك ال محموم ينذر بالاسى ويهددُ
هذا طريق النصر دون مناله
جثث ترصّ وأمةٌ تستشهدُ
في عام 1980م اعتزل الشيخ آل ياسين الكتابة وتوقف عن نشاطاته كلياً ولزم داره حزناً على ابن عمته آية الله العظمى السيد الشهيد السعيد محمد باقر الصدر الذي أعدم على يد الطاغية المقبور وبقي شيخنا ملازماً داره حتى فارق الحياة يوم السبت 26 جمادى الآخرة سنة 1427هـ/ 2006م وشيع تشييعا مهيباً ودفن في الصحن الكاظمي الشريف واقيمت مجالس الفاتحة على روحه في الكاظمية وايران ولبنان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الى قديستي كربلاء التي أرى من خلالها (الوجود)
*رضا الخفاجي
هذا أوان الخصبِ فانهمري
هذا نشيدُ العمر يلهُمنا
ندري بأنّ مواسماً جدُبتْ
ندري بأنّ نوازعاً هَتكتْ
ندري بأنّ طريقنا وعرٌ
ندري بأنّ القحط شرذمنا
لم تُبقِ منّا غير نائحةٍ
لم يبقَ الاّ الحبُ منعتقٌ
ألفت دمانا وهي راغبةٌ
كُنت المعين بكل نازلةٍ
منذُ ابتداء الخلق شعّ سنا الأيمان في محرابك العطرُ
منذ ابتداء الخلق أنقذنا
منذُ الشهيد السبط صرت هوىً
ياكربلاء سمت مواسمنا
كم رايةٍ برحابك ارتفعتْ
لا ترهبي الأوباش انّ لهم
كم من طغاةٍ قبلهم وهموا
الطامعون بنا يؤرّقهم
سفر القداسة شعّ في زمنٍ
يا سائرين بركبها قُدُماً
هُبّوا فهذا العصر منطلقٌ
يُبنى العراق بأهله فكفى
هذا كتابُ الله يجمعُنا
ـــــــــــــــ العجزـــــــــــــ
يامن سطعت بظلمة السحرِ
نرنو إليك بدونما حذرِ
منذُ اعتلاها قاتلُ البشرِ
وهج الحياة بأقبح الصورِ
هيهات أن نرتاب من وعرِ
واستهلكتنا دورة الضررِ
أو مستغيثٍ لاذ بالخطر ِ
إلاّ الدماء ولحظة الظفر
ان تستمر بنهج منتصرِ
رغم انطفاء الحلم والقترِ
نفح القداسة من لظى سقرِ
للهائمين بغرسه الثمرِ
فاستحضري آياتك الطهرِ
تدعو الشعوب ليقظة الفِكَرِ
يوماً عصيباً بالغَ الضررِ
والوهم يشقي فاقد النظرِ
أن نقتدي بنشيدك العطرِ
يسمو بغايته على الصغرِ
للوحدة الكبرى بلا خدرِ
لعظيم أمرٍ زاهر الأُطرِ
هدراً ومضيعةً من العُمُرِ
لبُّ الحقيقة خالدُ الفِكَرِ
|
|