قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الحزم والحسم .. سبيل النجاح
*إعداد / عبد الحسين عباس
يتمتع الناجحون بصفتين اساسيتين هما: الحزم و الحسم معاً.
فالحزم هو بإجالة الرأي والنظر في العواقب، ومشاورة ذوي العقول، اما الحسم فهو القطع والعزم، و(اذا اقترن العزم بالحزم كملت السعادة)، اذ (لا خير في عزم بلا حزم). من هنا فإن (الحزم أسد الآراء). اما العزم فإن (ثمرته الظفر) فإن (عزيمة الخير تطفئ نار الشر)، ولذلك فـ (من ساء عزمه رجع عليه سهمه).
وكما قال احدهم فإنه لا تبلغ الغايات الا بالحزم، وحصافة الرأي. فالامر الذي لا جدال فيه انه ما من رجل يستطيع ان يدرك النجاح ان لم يكن حازما مع نفسه. وحينما يقترن الرأي الحصيف بالحسم الصحيح تكون النتيجه من افضل ما يتوقع.
ان الحازم لا يقرر الا بعد تفكير، اما الحاسم فلا يؤخر العمل عن وقته ولهذا فإن الفرص لا تدخل شباكه الا ويصيدها، و (احزم الناس رأيا من انجز وعده، ولم يؤخر عمل يومه لغده).
يقول احد الناجحين: (ما اخذت امراً قط بحزم ولمت نفسي فيه، وان كانت العاقبة ضدي. ولا اخذت امرا قط وضيعت الحزم فيه، الا لمت نفسي عليه، وان كانت العاقبة لي فيه).
حقا ان صفتَي الحزم والحسم ضروريتان لكل من يبتغي تطوير نفسه، وعمله.. فبدونهما يتوقف كل شيء عن النمو.. وهذا ماحدث لشخصين في رتبة واحدة، فبينما نجح الاول في عمله، تم صرف الثاني منه. واليكم القصة:
مدير شركة كبيرة، طلب من صديق له ان يعرّفه على شخصين يحملان شهادة عالية في امور الادارة والتجارة، ممن يثق بهما بحكم معرفته كباحث وكونه يدرّس في الجامعة.
وبعد فترة قصيرة عرّفه الصديق بأثنين تخرجا لتوهما من الجامعة فوظفهما الرجل في شركته فورا.
توالت شهور لم يلتق الرجل بالمدير، ثم كانت مناسبة اجتماعية، والتقى الرجلان خلالها، فطلب منه صاحبه ان يمر عليه في محل عمله للتحدث معه حول قضايا تجارية تهمهما.
وفي اليوم التالي ذهب اليه الرجل وقضى معه عدة ساعات تحدثا خلالها في امورهما. ثم حوّله المدير الى مساعده.
يقول الصديق: عندما ذهبت الى غرفة المدير فوجئت بأن مساعده هو احد الشخصين اللذين عرّفتهما انا اليه. ولما انجزنا ما يرتبط بامور التجارة سألته عن صديقه الثاني، فاخبرني انه ترك الشركة منذ فترة. فسألته عن السبب...؟ قال: ان المدير صرفه من الشركة.
وكان يهمني ان اعرف كيف اصبح هذا مساعدا للمدير، بينما الثاني تم الاستغناء عنه، فاتصلت بعد العودة الى البيت بصاحبي، وسألته عن ذلك فقال: كِلا الرجلين ممتازان من حيث الموهبة والكفاءة العلمية، غير ان هذا الذي انتخبته مساعدا لي يتمتع بصفتين لا يتمتع بهما الذي صرفته: أولا، يقلب وجوه الآراء قبل ان يتخذ قرارا لي في أية قضية. ثانياً: و بعد ان يتخذ القرار لا يتردد في الاقدام، فهو قبل كل شيء حازم ثم انه بعد ذلك حاسم..
بينما الثاني على العكس من صاحبه يتخذ قراره بسرعة قبل ان يشذب الضار ويستخلص النافع، ثم يتردد في تنفيذه.
من هنا نعرف ان النجاح تحكمه المعادلة التالية:
لان الحزم من اسباب النجاح، فان الطيش من اسباب الفشل، ولان الثقة من اسباب النجاح، فان التردد من اسباب الفشل.
فهل رأيت انسانا ناجحا لم يكن يتمتع بالثقة بالنفس، والحزم في اتخاذ القرار والشجاعة في الاقدام؟.
فمن اراد النجاح فلا بد من ان يضع التردد جانبا. فالتردد مقبول قبل اتخاذ القرار وهو من طبيعة التعقل، ولكنه ليس مقبولا بعد اتخاذ القرار.
ان البعض قد يكون عجولا حينما يتخذ القرار ثم يتردد بعد ذلك في تنفيذ ما اتخذ القرار بشأنه، فهو يرتكب الخطأ مرتين: مرة حينما لا يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ومرة حينما لا ينفذ ما قرره، ويتركه يذوب كما يذوب الثلج تحت أشعة الشمس.
وهكذا فان من يريد النجاح يجب الا يكون مترددا بمقدار ما يجب عليه الا يكون متسرعا. فكلٌ من التسرع والتردد يؤديان الى الفشل لانهما طرفا الاعتدال، الذي هو ضروري لاحراز النجاح.
ولقد وجدت بالتجربة، ان المترددين ينتهي بهم الامر في نهاية المطاف الى احد امرين: اما خسارة الزمن، ومن ثم تغير المعادلة، حيث العزم بعد ذلك واما الى التراجع والفرار، ولذلك فان تردد نصف ساعة قد يخسرهم مقدار نصف قرن من الاتعاب. ولو راجع احدنا تواريخ فشله وخسائره لوجد ان مالا يقل عن نصفها كان يمكن تداركه لو لم يتردد في الامور.
فكم من شباب خسر فرص عمل رائعة بسبب ترددهم في اللحظة الحاسمة!
وكم من شعوب خسرت مستقبلها لانها ترددت في اللحظة الحاسمة ايضاً!
ان نصف: (لا) ونصف: (نعم) لا يؤدي الى شيء. لأننا لا نجد نصف نهار ونصف ليل، ولا نصف حق ونصف باطل، ولا نصف ثلج ونصف نار، ولا نصف طيب ونصف خبيث.
فلماذا التردد في الامور؟
يقول الامام علي (ع): (الشك على اربع شعب، على التماري، والهول، والتردد، والاستسلام. فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله، ومن هاله مابين يديه نكص على عقبيه، ومن تردد في الريب وطأته سنابك الشياطين، ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيهما).
فالتردد يجعلك مسرحا لخيول الابالسة، تطأك باقدامها، تضيع عليك فرص الخير جميعها. فمن اراد النجاح فليعمل بهذا القول الرائع للامام علي (ع): (لا تجعلوا علمكم جهلا ويقينكم شكا، اذا علمتم فاعملوا. واذا تيقنتم فاقدموا).
فاذا واجهك امر كان لا بد من ان تفعل شيئا بشأنه، فان الامر لا يخلو من حالتين: فاما ان لك علما به، واحاطة بجوانبه واما انك تجهله تماما. فاذا كنت تعلم ماذا يجب ان تعمل، فلا تتردد في الاقدام والا فابحث عن المعرفة اللازمة له.
وهذا يعني ان عليك على كل حال ان تعمل شيئين، اما ان تقدم لاتخاذ الموقف اللازم، واما ان تعمل لتحصيل العلم بما يلزم. والا تكون قد بدلت جهلا، ويقينك شكا.
ثم ان التردد مرفوض سواء جاء قبل اتخاذ القرار ام طرأ بعد ذلك، لانه على كل حال يدمر نجاح الانسان، فما اكثر الذين يتخلون عن فكرة حسنة او مشروع قيم لمجرد ان البعض ينتقد المشروع او يسفه الفكرة. أليس هذا التراجع هو السخف بعينه؟
ان المشاريع التي تدر اليوم بالملايين على اصحابها لم تسلك سبيلها الى النجاح الا بعد ان واجهت اقسى انواع النقد وكانت عرضة للسخرية اللاذعة. فقد سخر الناس من (روبرت فولتون) عندما خرج بفكرة (السفينة التي يسيرها البخار) واطلق بعضهم على المشروع تسمية نجدها اليوم في القاموس: (جنون فولتون).
وعندما انصرف هنري فورد الى الاهتمام بمشروعه: (المركبات التي تنطلق بدون جياد) تلقى من والده اشد اللوم، لانه ترك وظيفته في احدى الشركات وضحى براتب شهري قدره مئة وعشرون دولارا (ليلهو بالتافه من الامور)! على حد تعبير الوالد.
فاين المركبات التي تجرها الخيول؟ وما هي نتيجة اصرار وحزم (فورد) في عالم السيارات؟ وكم من الفضل لـ (فولتون) في دفع السفن العملاقة وسط البحار والقطارات الطويلة لتشق الطرق البعيدة ثم يأتي (ديزل) ليكمل المشوار ويبتكر وسيلة اكثر تطوراً لزيادة السرعة؟