الشعر بين الكلاسيكية والتجديد
|
محمد طاهر
لا يزال الانطباع الذي يخيّم على الشعر والذي يتأرجح بين الكلاسيكية والتجديد يأخذ أبعاداً شطّت كثيراً عن اعطائه صورته الحقيقة ولا يزال أكثر من يقوم بهذا التقييم يفرض أحكاما تعسفية في قراراته ونظرا لتصعيد هذه الأحكام الى مستوى فقد أضحت القصيدة تتفاوت قيمتها حسب هوى الناقد وأصبحت عرضة لشتى الأهواء والإتجاهات من قبل الشاعر والناقد معاً حتى أصبحت كلمة (كلاسيكية) وصمة توصم بها القصيدة والشاعر.
صحيح اننا لا نستطيع ان ننكر ان التجديد في الشعر مهم جدا لملاءمته مع قضايا العصر ومتطلباته ولكننا لا نستطيع أيضا ان ننكر ان التجديد سادته انحرافات في المعنى تلاعبت به الأمزجة والاهواء فكان من المستحسن تصحيح الانطباع الذي طغى على الساحة الشعرية، فالقصيدة ـ أية قصيدة ـ لا يمكن ان تُقيّم الا وفق عصرها وتقارن بالنمط الشعري الذي ساد ذلك العصر وهذا ينفي كونها كلاسيكية لأن هذه الصفة تصبح ملازمة للقصيدة حتى ولو أطلقت عليها بعد زمن طويل، ولو رجعنا الى البناء الفني للقصيدتين ـ القديمة والحديثة ـ نجد ان الأولى قد ارتكزت على وضوح المعاني اضافة الى السمات الاخرى للشعر أما الثانية فقد قامت على انقاض الكلمات المبعثرة وتغليفها بالرمزية الحادة وربما التفت الشاعر الحديث الى السر في ذلك فالقصيدة (الكلاسيكية) التي يجب ان تكون الواقعية أهم عامل فيها تكون اكثر عرضة للنقد حتى ولو تكاملت صورها البلاغية والفنية لانها واضحة المعاني والصور وهذا يعطي للناقد حرية التجوّل في ارجاء صورها، اما القصيدة الحديثة فقد طوّقها الشاعر بالمجهول المكتنف بالغموض وأسدل الستار امام الناقد والقارئ معا للدخول الى نقدها وهذه الحقيقة اتضحت في أغلب ما يكتب الآن ويجد القارئ الفرق الكبير والمهم بين القصيدتين، ففي الأولى يعطي الشاعر فكرته واضحة جلية عن المعنى الذي يتحدث به في القصيدة، أما في الثانية فيتساءل القارئ عمّ يتحدث الشاعر؟ وأين صوره؟ وما هو غرضه؟
ان الانطباع الحقيقي لا يتأتى من المعاني السطحية التي أدت بالشعر الى الانحدار بل من خلال النمو والتركيز والتخصص ورؤية الاشياء كما هي حقيقة.
|
|