قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
تحت الضوء
ديمقراطية (الصورة)
*محمد علي جودا تقي
كنت في حدود الثالثة عشرة من العمر أشارك مع مئات من العراقيين المهجرين قسراً في تظاهرة احتجاجية في العاصمة طهران على ما فعله بنا نظام صدام من جور واضطهاد وظلم، وقد رفعت لافتات طويلة بشعارات لاهبة تهدد وتفضح هذا النظام أمام الرأي العام العالمي، كما رفعت هنالك صور لبعض رموز المعارضة العراقية، وكنت ممن يحمل إحداها بنعومة أظفاري لعلي أحظى بتسجيل اسمي في قائمة المعارضين وسط كل هذا الضجيج، لكن ما لبثت قليلاً إلا وقد اقترب شخص لا أعرفه، وقال بلهجة متوترة ومنفعلة: ليس لك أن ترفع هذه الصورة... (إنها ممنوع....)!
عبارة (ممنوع) استعادت رنتها في ذاكرتي عندما قرأت الخبر المخجل عن انتشار صور لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي في بغداد وهي تحمل عبارات مغالية في التأييد وخارجة عن المألوف الدعائي ومرفوضة قطعاً من المالكي نفسه، وقلت في نفسي: عجباً... يبدو اننا بعد لم نخرج من عقلية أو بالأحرى (عقال الصورة) و (اللافتة)، فالذي وزع تلكم الصور في بغداد يحمل نفس عقلية ذلك الرجل (العراقي الجنسية) والمهجّر الذي لم يدم على وجوده في ايران سوى أشهر معدودة وتكلم بلهجة الشرطي في بلده، فهو اذا يعد هذه الصورة ممنوعة، لابد وان تكون هنالك صورة غير ممنوعة أو لافتة وشعارات مباحة.
بعد ان سقط صدام وسقطت معه صوره أيضاً، حملت الكثير من الآمال والطموحات على أن أشارك في الكتابة بصفحة جديدة في تاريخ بلدي، بعد طيّ صفحة التسطيح والتغرير والتزوير وغيرها من وسائل تكريس السلطة الديكتاتورية، لكن كانت مفاجأتي بحجم أو أقل ربما من مفاجأة الآخرين برشق أحد (العراقيين) زائراً اجنبياً بحذائه وقال انه بذلك أعرب عن رأيه برفضه!!
صحيح ان السياسات العسكرتارية الماضية تسببت في ارتفاع نسبة الأمية في صفوف المجتمع، لكن اعتقد ان الأمية المعنوية أشد وأمض من أمية القراءة والكتابة، فالذي كتب العبارات تحت صورة المالكي ليس أميّاً قطعاً، كما ان الذي رفع حذاءه عالياً كان قبل قليل يرفع القلم لكتابة التقارير الصحفية! (فما عدا مما بدا)؟! نحن والحمد لله بعد سني العملية السياسية تخصلنا من نسبة كبيرة من الأمية الثانية التي تمكّن الانسان العراقي من قراءة اسماء المرشحين في الانتخابات النيابية ثم اختيار أحدهم ليكون نائباً وبعدها زعيماً، يبقى النوع الأول من الأمية في بعض الأوساط و يبدو ان ثمة أيدي خفية أكبر من تلك الأيدي التي وزعت الصور في بغداد، تحاول تكريسه لتحظى (ديمقراطية الصور) بمقبولية عامة!
من بين الشريحة المثقفة في العراق، ألا يوجد مثقف أو أكثر، يتحمل مسؤولية هداية الناس الى العمق والتخلّي عن السطحية مكمن التطرف والضياع؟ هل من رجل رشيد يحول دون تكرار واقعة (الحذاء) و واقعة (الصورة المغالية)؟
Mahdali12@googlemail.com