مرجعية المسلمين بين القرآن اوالسنة
|
*يونس الموسوي
إذا تنازع المسلمون في شيء إلى من يذهبون؟
أيأخذون حكمهم من محمد بن عبد الوهاب أم من إبن تيمية أو من إبن عربي، أو من زيد أو من عمر؟!
الله سبحانه وتعالى يزيل عنّا هذا الغموض واللغط في كتابه المجيد في الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" (النساء/ 59)، فالذين يأخذون دينهم من محمد بن عبد الوهاب أو من إبن تيمية ولا يأخذونه من الله تعالى، هم في الواقع يعبدون إبن تيمية، لأنهم أنكروا ما يقوله الله وأخذوا بتفسيرات شاذة ومارقة عن الصراط.
إن نقطة خلاف المسلمين تكمن في هذه الآية، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى ذكر ما يستخلف فيه المسلمون وقدم الحل لذلك، ولكن أين المسلمون مما قدمه الله لهم؟ فهم يعبدون فلاناً... وفلاناً... ولايجدون في قلوبهم مكاناً لكلام الله العظيم، فهو عزوجل الذي يخاطبهم ويقول لهم إذا تنازعتم في شيء فردوه إلى الله، وما داموا هم متفقين على عبادة الله وطاعة الرسول فإن اختلافهم سيكون بشأن (أولي الأمر) فقط، وحتى أن الله سبحانه وفي إطار تبيين المعالجة لهذا الموضوع الحساس، يقول: "إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ" وهذا تأكيد آخر بأن الخلاف سيكون حول أولي الأمر وليس من المعقول أن يجعل المختلفون مرجعهم شخصاً اختلفوا عليه، فلابد أن يعودوا ويرجعوا إلى من إتفقت آراؤهم وموافقهم على صدقية كلامه وارجحيته بين البشر أجمع وهو هنا رسول الله صلى الله عليه وآله أو القرآن الكريم وهو يجيب الناس على أسئلتهم إذا كانت قلوبهم صافية ونقية ومتلهفة للحق.
والمشكلة أن هذه الآية تفرض على المؤمنين كافة طاعة أولياء أمورهم، وهنا وقعت الطامة الكبرى، حيث أنهم إذا قالوا أولياء الأمور هم الملوك والحكام فينبغي عدم التفريق بين مؤمنهم وفاسقهم، لأنهم أولياء أمور وقد فرض الله طاعتهم على العباد بدليل الآية التي ذكرناها، أما إذا قالوا أن أولياء الأمور هم المؤمنون فقط، فسيقعون في تناقض آخر وهو كيف يكونوا أولياء أمور ويكونوا فاسقين ولاتجب طاعتهم؟ لأن ولي الأمر تجب طاعته في كل الأحوال هذا هو مفاد الآية التي ذكرناها، والمشكلة لاتقع في إطار طاعتهم أو عدم طاعتهم، ذلك أن طاعتهم مفروضة، في أية حالة كانوا وفي أي وضع يكونون.
لكن التناقض يحدث في فكر الجماعة هو في تشخيص هوية (أولي الأمر) فإذا قالوا هم الحكام والخلفاء فيجب أن يقولوا لا فرق بين برهم وفاجرهم، وقد يصل الحال بهم إلى إتباع طاغية وفاسق مثل يزيد بن معاوية باعتباره أحد أولياء الأمور الذين فرض الله طاعته على المسلمين في كتابه المنزل.
فتحديد هوية أولياء الأمور هي النقطة المركزية في الموضوع وهي التي قد تجر الإنسان إلى الضلالة أو إلى الاهتداء، وللتشبيه نقول أن من لايعرف تفسير هذه الآية أو لايفسرها التفسير السليم، سيرضخ ويذعن إلى القبول بولاية يزيد بن معاوية عليه اللعنة أما الذي يفسرها بشكل سليم يستطيع أن يعرف بدقة أن أولياء الأمور ليسوا هم الحكام ولا الخلفاء بل هم أفراد خاصون (هم موجودون في علم الله وعلم الرسول) كما ذكر القرآن "فردوه إلى الله والرسول" فمعرفة هؤلاء الأولياء مقتصرة على الله تعالى وعلى نبيه الأكرم.
وإذا أردنا أن نتعرف عليهم يجب أن نبذل مزيدا من الجهد في البحث عن ذلك، ونتساءل هل تحدث الله سبحانه وتعالى عن أولياء الأمور وهل وصف أحدهم بأنه ولي الله؟
لم نجد في كتب المسلمين السنة وخاصة كتب التفسير سوى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بانه هو الذي ذكره الله عزوجل في كتابه المنزل أنه ولي الله، وهناك العشرات من كتب المسلمين السنة وهي تخبرنا بذلك، وذلك في أسباب نزول هذه الآية الكريمة "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"، فقد ذهبت أغلب تفاسير المسلمين السنة على أن الآية نزلت في حق علي بن أبي طالب حينما تصدق بخاتمه وهو في حالة الصلاة لذلك السائل الذي دخل المسجد وطلب العطية من المسلمين.
وإذا رجعنا إلى السنة الشريفة من أجل حل نزاعنا أو خلافنا بشأن أولياء الأمور فإننا أيضاً سنجد الجواب الشافي، وسيكون من السهل عليّ أن آتي بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يجيبنا عن هذا التساؤل الكبير، لكن القضية المهمة هي أنه لماذا لايسمع الناس صوت النبي؟ ولماذا لايسألونه عن إشكالاتهم؟ ولماذا لايصارحونه في شكوكهم؟
أنهم لايأخذون دينهم من رسول الله، ولايريدون أن يسمعوا صوته، لأن الهوى يمنعهم من سماع ذلك الصوت الذي سيهديهم إلى الرشاد، وهكذا ضيع المسلمون السنة الشريفة وضيعوا قرآنهم العظيم وأخذوا يتمسكون بالشوائب حتى تاهوا ما بين الزمان والمكان.
فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله قدم الحلول والمعالجات لقضايا المسلمين كافة ومنها هذه القضية الحساسة التي نحن بصددها، فهناك عشرات الأحاديث التي تؤكد أن الولي هو علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) أحدها وأهمها حديثه في يوم الغدير حيث لاينكره إلا معاند.
مشكلة الإبتعاد عن ثقافة القرآن الكريم والسنة الشريفة لا تقتصر على فئة أو جماعة أو طائفة دون أخرى، وهناك تفاوت في مستوى الابتعاد ولكن بشكل عام فإن المسلمين كافة مبتلون بهذا المرض، ولذلك وصلت أوضاعهم إلى ماهي عليه من التعاسة والسوء والحروب والمجاعة وغيرها!
|
|