"يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ..."
الإصرار على ا لسباحة عكس النظام الإلهي
|
*إعداد / زكي الناصر
البعض ما يزال بين ظهرانينا يشكك ويعلّق تهكماً على مسألة الخلق الإلهي وعامل الغيب والقدرة اللامحدودة للبارئ عزّوجل، لكن هؤلاء لم تتسع آفاق نظرتهم ليروا ما يفعله الانسان بالطبيعة من إمعان في التلوث والإفساد والدمار تحت ذريعة التسريع في حركة الانتاج وتوظيف التكنولوجيا الحديثة الى أقصى حد. وهم في ذلك يكرسون فكرة العبثية في الحياة، وأن يفعل الانسان كل ما يريد ليحقق السعادة والراحة قبل أن يموت وينتهي كل شيء!! فهم يخشون الاعتراف بوجود خالق أحد لهذا الكون لئلا يقفوا أمام المساءلة ويهربوا من معادلة الثواب والعقاب والجنة والنار.
وبنظرة خاطفة على الكرة الأرضية التي نعيش على سطحها، نجد بوضوح ظاهرة البدء والإعادة. فما هي هذه الظاهرة، وكيف تتجلى قدرة الخالق فيها عز وجل؟
لقد صمم الله تعالى الأرض لتقوم بكل شيء بدقة وأمانة وطواعية، فالماء يتبخر من المحيطات والبحار ويتكاثف في الجو على شكل غيوم ثم يهطل على شكل أمطار تتسرب للأرض وتختزن ثم تتفجر الينابيع والأنهار، وتذهب لتصب في البحار وتتبخر من جديد... وهكذا وفق دورة منظمة.
وكذلك الأمر بالنسبة للنباتات التي تنمو وتثمر ثم تصفر وتذبل، وبعد ذلك تنمو من جديد وهكذا وفق دورة شديدة التنظيم والدقة. وهذا الأمر ينطبق على كل شيء: الكائنات الحية لها دورة منظمة أي ولادة ثم موت ثم تتحلل إلى تراب ثم تولد كائنات جديدة وتكبر ثم تموت وتتحلل إلى تراب... وهكذا.
هذا النظام استمر لملايين السنين دون أي خلل حتى جاء الإنسان في العصر الحديث ليلوث البيئة دون أن يعرف كيف يعيد إليها النقاء، ويرمي النفايات دون أي يقدر على تدويرها وإعادتها الى شكلها الأصلي.
لقد صمم الله تعالى الطبيعة من حولنا لتقوم بهذه المهمة بكفاءة عالية، فالنباتات تستهلك غاز الكربون وتعيد تصنيعه على شكل أوراق خضراء وثمار، وهكذا تقوم بتنقية الجو باستمرار. ولكن هذه النباتات لم تصمم للإفساد والتبذير، بينما نجد الإنسان يضخ ملايين الأطنان من الملوثات في الجو والبحر، الأمر الذي أعجز النبات عن تنقية الجو.
فقد لوث الإنسان كرتنا الأرضية باختراعاته وتجاربه، ولكنه لم يعرف كيف يعيد هذه النفايات أو يتخلص منها فكان ذلك سبباً في ازدياد حرارة الأرض والمجاعات وقلة المياه.
ومع أن العلماء يحاولون جاهدين أن يعيدوا تصنيع النفايات إلا أنهم فشلوا في ذلك، لأن الكميات الضخمة من غاز الكربون والملوثات الأخرى مثل الرصاص والمواد السامة، أحدثت خللاً في جول الأرض مما أدى للاحتباس الحراري، وما هذه الكوارث الطبيعية وارتفاع حرارة الأرض إلا إحدى نتائج هذا التلوث.
والآن ربما ندرك معنى قوله تعالى: "اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (الروم /11). وقوله أيضاً: "إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ" (البروج /13). فهذه الآيات تذكرنا بنعمة عظيمة من نعم الخالق، إنها نعمة الخلق والإعادة، ولم ندرك أهيمتها إلا عندما اختل نظام الأرض فأصبح الإنسان يبدأ الاختراعات الجديدة ولكنه يفشل في إعادتها من جديد.
لقد أصبح كل اختراع يجر مشكلة للبشرية، مثلاً اختراع وسائل النقل جرّ مشكلة التلوث، واختراع وسائل الاتصالات مثل الجوال جرّ مشاكل صحية للإنسان بتأثير الذبذبات الكهرطيسية، واختراع وسائل جديدة في الزراعة وتربية الحيوانات جرّ مخاطر على صحة الإنسان وأمراض لم نكن نسمع بها من قبل مثل جنون البقر وإنفلونزا الخنازير.
من الواضح إن الله سبحانه خلق لنا مليارات النعم من حولنا وجميعها تخدمنا دون أي ضرر أو مشكلة، ولكن الإنسان وبمجرد أنه تدخل في خلق الله وحاول التغيير والتطوير فشل في كل شيء، وأصبح العلماء الآن يفكرون في العودة للطبيعة الأم والحياة الطبيعية كعلاج لمشكلات العصر، لكن دون جدوى.
و ربما هذا يكون مصداق لتحدي الانسان الظلوم الجهول، وقد أشار الى ذلك القرآن الكريم: "أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (النمل /64). وهذا يدعونا للتفكير والتأمل في قدرة الخالق ونعمه، "البدء والإعادة" لنزدد إيماناً ويقيناً باليوم الآخر، فالله تعالى الذي خلق كل شيء وهو يعيد الخلق وفق دورات منتظمة، قادر على إعادة خلقك أيها الإنسان من جديد، فتأمل قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" (العنكبوت /19).
|
|