قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

القياس .. والمهمة المقدسة للمرأة
*إيمان عبد الامير
يمكن القياس بين الأشياء لكن قبل ذلك يجب معرفة وجه الشبه بينها ووجه الاختلاف، فلا تجد في هذا الكون شيئين متشابهين تماماً من دون وجود زاوية يختلفان فيها، فالاختلاف معناه هنا هو وجود هوية شخصية لكل شيء، فالنبات له هوية والحجر له هوية اخرى، وكل حيوان لها هوية؛ فهنالك الزواحف والمواشي والوحوش والطيور والحشرات والكائنات البحرية وغير ذلك، كما ان لكل فرد من أفراد الإنسان هوية خاصة به، فالرجل له هوية والمرأة لها هوية ايضاً، كما أن لكل واحد من الرجال هوية، ولكل واحدة من النساء هويتها الخاصة.
من هنا يمكن الرد على الذين يقولون بمساواة الرجل بالمرأة، فهذه مقولة غير منطقية وغير قابلة للتطبيق ومخالفة للطبيعة البشرية، وفي البداية لابد أن نوضح أن مبدأ مساواة المرأة بالرجل غير عقلاني، وهو يختلف عن مبدأ الدفاع عن حقوق المرأة، فنحن هنا إذا رفضنا المساواة بين الرجل والمرأة لا يعني بأي حال من الاحوال هضم حقوق المرأة وإنتهاك حرمتها وكرامتها، ففي الوقت الذي نعارض المساواة ندافع وبشدة عن حق المرأة في كل ما أوجب الله لها من الحقوق وهي ليست قليلة ولكن للأسف فإن مجتمعاتنا الإسلامية تتجاهل الكثير من هذه الحقوق وتعتبر المرأة مخلوقا من الدرجة الثانية!
وهنا لابد من التأكيد بأن معارضة المساواة بين الرجل والمرأة لايعني ذلك أبداً تفضيل الرجل عليها، واعتبارها كائن عديم الجدوى والفائدة، فربما تقدمت المرأة على الرجل في أمور، وربما تقدم عليها الرجل في أشياء اخرى فالتقديم والتأخير ليس لأفضلية أحدهما، بل بسبب مؤهلات يمتلكها أحدهما ويفتقدها الآخر.
ومنذ عشرات السنين نجد دعاة المساواة بين الرجال والمرأة يرفعون شعار حق المرأة بالعمل واطلاق يدها من البيت والأسرة، ومع التأكيد على عدم معارضة الإسلام لحق المرأة في العمل فقد اعطاها الإسلام مهمة مقدسة لا أشرف ولا أرقى منها وهي تربية الانسان نفسه .
ولو كان دعاة المساواة يستعملون شيئاً قليلاً من عقولهم سيجدون مهمة تربية الأطفال أرقى وأعلى وأكبر من أي عمل آخر يقوم به الرجل، بل وأخطر مهمة هي مهمة المرأة لأن مصير الأسرة برمته ثم المجتمع بيدها، فهي تستطيع أن تجعل حياة الأسرة سعيدة أو تقلبها إلى تعيسة.
من هنا نجد أن هناك تفضيلا للمرأة في المهمة التي أعطيت لها برعاية الأطفال والعناية بشؤونهم، فإضافة إلى أنها تساهم في بناء مستقبل الأمة، فإنها أيضاً تحصل على الثواب العظيم من قبل الباري عزوجل لقاء العناء والمجهود الذي تبذله في هذا الصدد، بينما الرجل الذي يخرج إلى العمل خارج الدار هو في الواقع لايقدم شيئاً للأسرة سوى المال الذي يقبضه في آخر الشهر ويصرفه على احتياجات الأسرة، صحيح إن الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله، إلا إن المرأة في البيت مهمتها أكثر قدسية وأكثر عناءاً وأكثر ثواباً من عمل الرجل.
من هنا نجد أن هناك تقديما وتأخيرا بين الرجل والمرأة، فالرجل يتقدم على المرأة في أشياء والمرأة تتقدم على الرجل في أشياء، وهذا التقديم والتأخير لايعطي الأفضلية لأي واحد منهما على الصعيدين الإنساني والديني لأن المقياس ليس على أساس الجنس وإنما أساس التقوى، فمن كان أكثر تقوى فهو الأفضل عندالله، وإن كانت إمرأة.
وحتى تقديم الرجل بالنسبة إلى مسألة القيادة لاتعطيه حق الأفضلية، لأن القيادة ليست ميزة وإنما هي مهمة أعطيت للرجل لمؤهلات خاصة إن توفرت كان قائداً وإلا فلا، ومن ذلك: القوة البدنية والعقلية والصلابة النفسية التي تساعد على اتخاذ القرار.
فالقياس باطل بين المرأة والرجل، والقياس باطل في كثير من الأمور العقلية والإنسانية، وهو أكثر بطلاناً في الشؤون الدينية وقد وردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله التي تنهى عن استعمال القياس وخاصة في قضايا الفقه والدين وقد ورد في مصادر الأخوة من أهل السنة هذا الحديث (افترقت بنو اسرائيل على إحدى وسبعين فرقة وتزيد أمتي عليها فرقة ليس فيها فرقة أضر على أمتي من قوم يقيسون الدين برأيهم، فيحلّون ما حرّم الله ويحرّمون ما أحلّ الله). (كنزالعمال، خ1052)، وفي نفس الكتاب أيضاً جاء الحديث التالي عن النبي الأكرم (ص): إذ قال: (لاتقيسوا في الدين، فإن الدين لايقاس و أول من قاس إبليس)، (كنزالعمال، خ1049)، وقد ورد أيضاً في تحريم القياس عن النبي الأعظم (ص) قوله: (من قاس حديثي برأيه فقد اتهمني) (كنزالعمال، خ1050).
وتحريم القياس في الفقه ليس فقط لاحتمال وقوع الخطأ، بل لأن الفقه وأحكامه هي ليست ذات منبع إنساني، فالتشريع وأحكام الفقه هي إلهية ولايحق للبشر أن يتدخل في هذا العلم الذي هو شأن إلهي، فقد جاء عن الباقر عليه السلام قال: (يا زرارة... إياك وأصحاب القياس في الدين فإنهم تركوا علم ما وكلوا به وتكلفوا ما قد كفوه...) آمالي المفيد، ص31. فهؤلاء لم يكلفهم الله سبحانه وتعالى بالتشريع وإصدار أحكام الشرع والفقه بعقولهم الإنسانية، لأن هذه المهمة هي مهمة إلهية بسبب طبيعتها الحساسة والخطرة وتداخلها مع الخصائص الحيوية للدين.
فالذي يملك الفقه يملك الدين، والذي يتلاعب بالفقه يستطيع أن يتلاعب بالدين ويغير وجهته ويحول الحلال إلى حرام والحرام إلى حلال، ومن هذا المنطلق فلا يمكن القبول بأن تتحول مهمة التشريع إلى مهمة إنسانية، لأنها لو تحولت إلى ذلك، فلا مناص من تحويل الديانة الألهية إلى شأن إنساني، بمعنى أن يتلاعب الإنسان حسب قياساته العقلية بمفاهيم وأحكام الدين.
إن القيمة الأساسية التي أعطى الإنسان في إطارها الحق لنفسه بالتشريع هي قيمة -كما لاحظنا في بداية الأمر- باطلة وهي القياس، وكما وجدنا القياس باطلاً بين الرجل والمرأة، سنجد أن هذه القيمة لاتصلح لأن تكون معياراً للتشريع وإصدار الأحكام، (... وأول من قاس إبليس). فإبليس عليه اللعنة قاس بين خلقته وبين خلقة آدم عليه السلام، وقال: خلقته من طين وخلقتني من نار، والنار في عنصرها أرقى وأرفع شأناً من التراب، وهذا إستدلال صحيح، لكن إبليس لم يعلم بأن الله سبحانه وتعالى أضاف عناصر أخرى إلى خلقة آدم عليه السلام، فقد أضاف إليها الروح والريح والنار والماء بالاضافة إلى التراب، فقد تشكلت خلقة آدم عليه السلام من خمسة عناصر بينما إبليس كان من عنصر واحد وهو النار.
فلم يكن قياس إبليس قياساً علمياً ودقيقاً، مع أنه كان الأعلم بين بني قومه وأكثرهم عبادةً إلا إنه عجز عن الإتيان بقياس صحيح، فكيف الحال بهذا الإنسان الذي لم يحصل إلا على نصيب قليل من العلم؟ ان بطلان القياس لاينبع فقط من محدودية العقل البشري، بل تنبع من عدم تشابه حقيقة الأشياء، وهناك رواية تاريخية توضح جانباً من هذا الإختلاف وتبين مدى عجز الإنسان في معرفة الأشياء:
دخل إبن شرمه وأبو حنيفة على الصادق عليه السلام فقال لأبي حنيفة: اتق الله ولا تقس الدين برأيك، فإن أول من قاس إبليس إذ أمره الله تعالى بالسجود فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين.. ثم سأله عليه السلام: البول أقذر أم المني؟ قال: البول.
قال: يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني، وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول.) (بحارالانوار، ج10، ص223).