قافلة السبايا تدخل الشام..
قيود الأسر تفضح زيف النظام الأموي
|
*هادي عبد الجليل
منذ شهر صفر سنة 61 للهجرة وحتى اليوم تردد الاجيال محاولات التزييف الاموي لواقعة الطف، وإلصاق تهمة الخروج عن الدين بالامام الحسين وأهل بيته، لكن أبت الحقيقة إلا ان تبقى ساطعة مشرقة على وجه التاريخ، فقد أمر يزيد بن معاوية بأن تقام الاحتفالات في الشام مركز حكومته وسلطانه، فعلقت الزينة ودعي المغنين والمطبلين ليجوبوا الشوارع لاستقبال قافلة سبايا آل الرسول القادمة من الكوفة وذلك في مطلع شهر صفر! فهو كان يتصور انه بهذا العمل سيقتفي أثر ابيه بحجب المعلومة عن الناس و وصف أهل البيت بانهم بعيدون عن الاسلام كليةً، لكن خاب سعيه وافتضح أمره، لأن قافلة السبايا التي كان يتقدمها الامام زين العابدين عليه السلام وعمته زينب العقيلة وباقي نساء واطفال الامام الحسين واهل بيته، شكلوا القناة الاعلامية التي كشفت الحقيقة كلها لأهل الشام ولكل العالم وعلى مر الاجيال، وإن بقي هناك من يشك بالحقيقة، فهو إما بعيد عن التاريخ أو ربما يكون هو من ضمن التاريخ وهو لا يشعر!
في الطريق
اراد يزيد من خلال تسيير قافلة السبي في طريق طويل يمر باكثر عدد من المدن والامصار، ان يعلن للناس انتصاره على اعداء النظام الحاكم، لكن خاب ظنه وسعيه، بل (انقلب السحر على الساحر).
حسب المصادر التاريخية وحسب ما جاء في مقتل (أبي مخنف)، بان قافلة السبايا تتقدمها رؤوس الشهداء الابرار تحركت من الكوفة الى الشام وسلكت الطريق الى (الحصاصة)، فعبر بهم إلى (تكريت)، ثم عبروا بهم طريقا برياً إلى (أعمى)، ثم مروا على (دير أعور) ثم (صليتا) وبعدها (وادي نخلة) وفي هذا المنزل تداعت إلى أسماعهم أصوات الجن وهم ينوحون على الإمام الحسين عليه السلام ويرثينه، ثم ساروا من وادي نخلة عن طريق (أرمينيا) حتى بلغوا (لبا)، وقد خرج أهلها ينوحون ويبكون ويصلون على الإمام الحسين عليه السلام وأبيه وجده صلوات الله عليهم، ويعلنون البراءة من قتلته، ثم طردوا العسكر من بلدتهم. وتابع الركب سيره حتى عبروا (كحيل) ومنها إلى (جهينة) وحاولوا دخول (الموصل) لولا خروج أربعة آلاف مقاتل من الأوس والخزرج لقتال عسكر ابن زياد لعنه الله.
وعبروا من (تل اعفر) نحو جبل (سنجار)، ومن هناك انتهوا إلى (نصيبين) ومنها إلى (عين الوردة) ثم إلى (دعوات) حيث نصبوا الرأس المبارك من الظهر إلى العصر في (الرجبة)، وانقسم الناس هناك إلى فريقين، فريق أسعده الأمر وأفرحه وفريق أقام مأتم الحزن والعزاء. ثم ارتحلوا إلى (قنسرين) فاستقبلهم أهلها باللعن والضرب بالحجارة ولم يسمحوا لهم بدخولها، فانصرفوا منها إلى (معرة النعمان) حيث استقبلهم أهلها بالترحاب، وقدموا لهم الطعام والشراب، ثم توجهوا إلى (شيزر) فمنعوا من دخولها، فتابعوا مسيرهم إلى (كفر طاب) حيث منعوا من دخولها، وقد نفذ منهم الماء واشتد بهم العطش، ولم يجد التماس خولي ورجاءه لهم نفعا، بل قيل لهم، لن تذوقوا قطرة ماء واحدة، كما قتلتم الحسين وأصحابه عطاشى.
ثم انتقلوا منها إلى (سيبور) فانبرت طائفة من أهلها لقتال هؤلاء الكفرة، فدعت لهم أم كلثوم بأن يسيغ الله مياههم، ويرخص أثمان حوائجهم، ويحجب الطغاة عنهم. ثم توجهوا إلى (حماة) فاغلق أهلها الأبواب في وجوههم. فتوجهوا نحو (حمص) ومنها إلى (بعلبك) حيث استقبلهم أهلها بالطبول والزمر ونقر الدفوف، فدعت عليه أم كلثوم نقيض ما دعت لأهل سيبور، ثم انتقلوا منها إلى (الصومعة) ومنها إلى (الشام).
وقد جرت الكثير من الكرامات لأهل البيت عليهم السلام، وكرامات صدرت عن الرأس الشريف المقدس. منها ما ورد في (روضة الشهداء) للفاضل الكاشفي:
لما اقتربت قافلة السبايا من الموصل، وأبلغ جند يزيد عاملها بوصولهم، رفض أهلها دخول الرؤوس وأهل البيت إلى مدينتهم، وأرسلت إليهم الأطعمة والأعلاف وهم على بعد فرسخ منها، حيث نزلوا هناك، ووضعوا الرأس المقدس على صخرة، فوقعت قطرة دم من الحلقوم المقدس على تلك الصخرة، فصارت تلك الصخرة بعد ذلك ترشح دما عبيطا طريا كل عام في يوم عاشوراء. فأقام الناس في مكانها مشهدا، وصار مزارا يعرف بمشهد (النقطة).
الرأس يطارد المجرمين
جاء في كتاب (اللهوف في قتلى الطفوف) ان شخصاً يدعى (ابن لهيعة) قال: كنت أطوف بالبيت الحرام، فإذا برجل يقول: اللهم اغفر لي وما أراك فاعلاً، فقلت له: يا عبد الله اتق الله، ولا تقل مثل ذلك، فإنّ ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار، و ورق الأشجار، فاستغفرت الله غفرها لك، فإنّه غفور رحيم.
قال: فقال لي: تعال حتّى أخبرك بقصّتي، فأتيته فقال: اعلم أنّا كنّا خمسين نفراً ممّن سار مع رأس الحسين عليه السلام إلى الشام، فكنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت، وشربنا الخمر حول التابوت، فشرب أصحابي ليلة حتّى سكروا، ولم أشرب معهم، فلمّا جنّ الليل سمعت رعداً، ورأيت برقاً، فإذا أبواب السماء قد فتحت، ونزل آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم السلام، ونبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله، ومعهم جبرائيل وخلق من الملائكة، فدنا جبرائيل من التابوت، وأخرج الرأس وضمّه إلى نفسه وقبّله، ثم كذلك فعل الأنبياء كلّهم، وبكى النبي صلى الله عليه وآله على رأس الحسين عليه السلام، وعزّه الأنبياء. ثم قال له جبرائيل عليه السلام: يا محمّد إنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أطيعك في أُمّتك، فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض، وجعلت عاليها سافلها، كما فعلت بقوم لوط. فقال النبي صلى الله عليه وآله: لا يا جبرائيل، فإنّ لهم معي موقفاً بين يدي الله يوم القيامة، ثم جاء الملائكة نحونا ليقتلونا، فقلت: الأمان الأمان يا رسول الله، فقال: (اذهب فلا غفر الله لك).
في الشام
عندما دخلت قافلة السبايا الى الشام، وقف أحد الشاميين قبالة الامام زين العابدين عليه السلام شامتاً به، وهو يتصور ان الذين امامه أسارى من بلاد الكفر، ظفر بهم المسلمون في احدى حروبهم وغزواتهم. فقال له الامام بكل هدوء واتزان رغم ما كان عليه من ثقل الحديد والضغط النفسي الشديد، ياشيخ هل قرأت القرآن؟ قال نعم، فقال له: هل قرأت هذه الآية "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"، قال نعم، فقال: نحن أهل البيت الذين اذهب الله عنّا الرجس وطهرنا تطهيرا"، ثم اردف الامام له: وهل قرأت هذه الآية: "قل ما أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" قال نعم قرأت ذلك، فقال له الامام : نحن القربى ياشيخ... وبذلك بين الإمام بكل هدوء واتزان وقوة حجة لهذا الشيخ الشامي إن اهل مدينته إنما يبتهجون ويفرحون لقتل وسبي أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، بل وان النبي الأكرم جعل أجره من الأمة الاسلامية مودة أهل بيته وحسب، فهل حصلت هذه المودة...؟!
ليجيب من يقول اني مسلم ويسمع باخبار المراسيم الحسينية التي تقام خلال شهري محرم وصفر في البلاد الاسلامية لإحياء ذكرى الامام الحسين عليه السلام، هل حقاً ان الأمويين كانوا على حق عندما قاتلوا الامام الحسين سبط رسول الله وانتهكوا حرماته وفعلوا ما فعلوا؟
|
|