الاستقامة. . فوائد مادية وأخرى معنوية
|
*محمد موسى
عندما نتصفح ذاكرتنا ونراجع من قابلناهم من البشر، نجد اننا عايشنا مجاميع عدة، فمنهم من مر بمراحل نجاح وفلاح ثم استمر هذا النجاح والفلاح معهم دون تراجع، بل وتمكنوا من تكريس هذا النجاح في حياتهم، وفي الوقت ذاته عاشرنا مجاميع أخرى لم تخلو حياتها من النجاحات الموسمية المتذبذبة الا انها لم تدم طويلاً في عطائها ولم تحافظ على ما حققته من ازدهار ونجاح، سواء على الصعيد المادي أو المعنوي، فياترى ما الفرق بين هاتين المجموعتين؟ وما الذي يميز هذه المجموعة عن تلك؟
الاستقامة للدنيا والآخرة
كل الدلائل تشير الى ان الاستقامة، عامل أساس وهام في تحقيق السعادة والفلاح في حياة الانسان، وقد ثبّت الاسلام هذه المعادلة في الحياة كقانون ثابت وشامل لكل ابناء البشرية، كما هو الحال في العمل والكد، فالذي يعمل يحصد، كائن من كان، وعكس الحالة يعطي المردود العكسي قطعاً. والاستقامة في اللغة العربية مشتق من القيام والذي يدل على الملازمة والثبات والاستمرار والمتابعة. فهي تعني الثبات على الدين، فلا تغير ولا تبديل ولا تأثر بمتغيرات الحياة اليومية، ولا بالعوامل التي تجر الى الانحراف عن المبادئ والأخلاق وعن الدين والعقيدة، ولذلك فإن الله عز وجل وعد المستقيمين بسعادة في الدنيا، وسعادة في الحياة الآخرة.
وتتجلى أهمية الاستقامة، بأن يمتلك الإنسان ثقل الإيمان، وان يتمتّع بثبات اليقين والنضج مهما كانت الظروف. وان لا يتردد ولا يتغير حسب متغيرات الزمان والمكان ويبقى مستقيما في حياته دون انحراف، فهذا هو الفلاح والنجاح الأعظم الذي يوجب دخول الجنة، فقد جاء إعرابي يطلب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصيحة جامعة، فقال له: (قل آمنت بالله ثم استقم)، اي ليبقى الايمان ملازم لقلبك وجوارحك، والله سبحانه وتعالى يلازم المؤمن المستقيم، جاء في كتابه المجيد: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون).
وللأسف؛ فانّ من الناس من يكونوا في بعض الأحيان متزعزعين، غير ممتلكين للنفسيّة الثابتة المطمئنة، فتجد ان حياتهم ما دامت تسير دون منغّصات، فان الدين أمر جيد، واتّباعه لازم بالنسبة إليهم. ولكن بمجرد أن يصاب بابتلاء أو يتعرض لمعضلة، تراه ينسى كلّ شيء، ويتخلّى عن دينه، ومبادئه. فهناك الكثير من الناس الذين انحرفوا في آخر أيام حياتهم وساءت عاقبتهم.
شروط دوام الاستقامة
في زمن كثر فيه التقلب وقلت فيه الاستقامة وازدادت فيه عوامل الانحراف، أصبحنا نلمس بوضوح ما أخبر عنه رسول الله (ص) من فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، وكذلك يروى عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: (هلك العاملون إلا العابدون وهلك العابدون إلا العالمون، وهلك العالمون إلا الصادقون، وهلك الصادقون إلا المخلصون، وهلك المخلصون إلا المتقون، وهلك المتقون إلا الموقنون وإنّ الموقنين لعلى خطر عظيم). والمراد بالخطر هنا، صعوبة المشاكل وثقل الامتحان وشهوات الدنيا.. كلّ ذلك قد يغيّر في لحظة من اللحظات واقع الانسان، وهكذا؛ فانّ علينا ان ننمّي صفة الاستقامة الدائمة في أنفسنا ونسعى جاهدين في المواظبة والمداومة على الاستقامة والاخلاص، والسؤال هو كيف يمكننا المداوة على الاستقامة؟
1- الرؤية الشاملة
لكي نحقق الشرط الأول من شروط الاستقامة يتوجب علينا أن نبحث ونتأمل في أعماق التاريخ وان ننظر الى الأحداث من الجوانب كافة، فعندما تكون لدينا رؤية الى الى ما بعد وقبل الحدث، ودراسة للأحداث المشابهة له في أعماق التأريخ. فإننا ان انهزمنا في جولة، نتذكّر أن الإنسان ينهزم في جولة ويكسب في أخرى، وإذا ما كسبت جولة، فلا تقل إنّها الجولة الأخيرة، فقد تخسر الجولة القادمة. وبمثل هذه الرؤية تمنح الإنسان الاستقرار والوقار اللازمين للثبات والاستقامة والصمود.
2- النظرة المتفائلة
عندما نخسر شيئا مهما او شخصا عزيزا قد ينتابنا شعور بالاحباط واليأس والاستسلام في بعض الأحيان ولكن من يمتلك القدرة على التدارك والصمود هو الذي يستمر في المضي قدما في مسيرته نحو الكمال، فكلّ قضاء وقدر ينزلان على الإنسان؛ إنّما ينزلان من اجل الامتحان والدفع نحو المزيد من العطاء والعمل؛ فعندما ترى أنّك قد خسرت شيئاً مهمّاً جدّاً، ولكن باستطاعتك أن تعمل من جديد لتحصل عليه وعلى أكثر منه، فلماذا تنهزم نفسياً، ولماذا تدع الاستسلام يسيطر عليك؟
من الطبيعي جدا ان نتأثر بما يجري علينا من أحداث وطوارئ ولكن علينا ان نرى الى الامور بمقياس نوعي وان لا نجترَ الماضي، وننطلق في رحاب المستقبل وآفاقه، ونتحرك نحو تحقيق الآمال العريضة، فمن الضروري ان تكون نظرتنا التفاؤلية مقرونة بالعمل لا ان ننظر، نظرة انفعال واستسلام.
3- العلم
كلما زاد الانسان علما ازداد وقرا واتزاناً في نفسه، فالذي يتبع نهجا معينا عن دراية وعلم ليس كمن يتبع الامور عن جهل وعاطفة، فالعالم لا تهزه الأحداث والمتغيرات الظاهرية لأنه ينظر الى الحياة نظرة علمية ثابتة، لا نظرة عاطفية. في حين ان الجهال تجرهم الصيحات والنعرات فينقلبون من حال الى حال بين ليلة وضحاها كما حدث مع الخائضين في حرب الإمام الحسين (ع).
4- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لعل الأحاديث الشريفة الواردة عن المعصومين (ع) قسمت الناس الى ثلاثة أقسام، قسم يعمل الخبائث والجرائم ويترك الحسنات والواجبات عصيانا لله تعالى، وقسم أخر يرى كل هذه الاعمال ثم لا يحرك ساكناً، فالأول هو الشيطان والثاني هو الذي يقال عنه الشيطان الأخرس، فما القسم الثالث وهو القسم النجي والذي تؤكد الراية بأن الله سيدفع به نحو الاستقامة على الصراط المستقيم هو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو الى الاستقامة على دين الله ويحارب في سبيل ايقاف الانحراف بجميع صنوفه وملله وأنواعه.
فإذا ما توفّرت هذه الشروط ؛ النظرة التأريخية، والنظرة المتفاءلة مع العمل، والعلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فانّ القلب سرعان ما يصبح وقوراً، والنفس متينة راسخة ثابتة العقيدة عند فورة العواطف وهزّات الحياة والمدح والذم والغنا والفقر.. وفي جميع أحداث الحياة الأخرى. وسيعيش الإنسان حياة أفضل، يتحرّك فيها دائماً من أجل الوصول الى الكمال، والدرجات الايمانية العليا، والأهداف التي رسمها له الخالق تعالى والتي ظهر الى الوجود من أجلها من خلال سيره الدائم، وحركته المتواصلة، وسعيه الحثيث من أجل التقدم والتكامل.
|
|