تحت الضوء
الناس وليس الحكومة أمام طريق مسدود
|
*محمد علي جواد تقي
أكثر من أربعة أشهر والكتل السياسية الفائزة في الانتخابات تراوح مكانها بلا خطوة واحدة نحو تشكيل الحكومة، ومع ذلك يعتقد البعض منهم أنهم ما يزالون على مسافة من الجدار الأخير، إنه حقاً من عجائب وغرائب السياسة في العراق الجديد.. أما الناس، كل الناس في العراق، فانهم ما يرجون من وراء هذه التجربة الديمقراطية أن يتحسن وضع الخدمات كـ (عربون) من الساسة على مصداقية شعاراتهم ومشاريعهم المستقبلية، لكنهم ليس فقط لم يستلموا هذا (العربون) البائس، بل وجدوا أنفسهم متفرجين على ساحة صاخبة من عمليات شد الحبال بين هذا وذاك، وحتى كتابة هذه السطور، وربما بعد أيام أخرى قادمة، لم يسمع الناس ما يسكّن قلقهم ويهدّئ أعصابهم المشدودة أساساً باخبار عن خروج الكتل السياسية من مستنقع الخلاف على السلطة، طبعاً هؤلاء الناس – ونحن منهم أيضاً- محكومون بظروف غير طبيعية عديدة ليس أقلها فصل الصيف بحرّه القائض، الى جانب مشاكل وأزمات معيشية واقتصادية أخرى، وهو ما يفترقون عنده مع السياسيين، فقد كان يتصور البعض ان فترة ما بعد الانتخابات ستكون مشابهة لفترة الخطوبة أو العقد في الحياة الزوجية – والامثال تضرب ولا تقاس- حيث تظللها المجاملات الرقيقة والعطايا والهدايا و... وأول الغيب سيكون في فصل الصيف وتحديداً مع حلول شهر رمضان المبارك الذي عاد بعد ثلاثين عاماً ليلتقي مع شهر آب (اللهّاب)! لكن هذا التصور والاعتقاد تبخّر في حر هذا الصيف.
بقي الطريق الوحيد والمشروع للناس لاختراق الجدار في طريقهم نحو النجاة من أوضاعهم المأساوية، ألا وهو الاعتراض السلمي بالخروج في الشوارع في تظاهرات جماهيرية للمطالبة بتحسين الكهرباء وأيضاً حثّ السياسيين على التخلّي عن لعبة الشدّ والجذب، لكن العجيب حقاً أن نرى الاجابة معكوسة على الناس، ففي البصرة وفيما كان الناس يستعدون للتظاهر احتجاجاً على زيادة فترة القطع المبرمج للكهرباء، فوجئوا بطعنة في الظهر بسلسلة من الانفجارات الغادرة وسط حشود المتسوقين والمارة والحصيلة مئات الجرحى والشهداء من المواطنين الابرياء، أما في كربلاء المقدسة كمثال لا حصراً، استعد الناس للتظاهر بنفس المطالب المشروعة، فسبقتهم قطوعات أخرى للكهرباء لاسيما في فترات المساء وعند توجه الاطفال والنساء الى غرف النوم، فالساعتين من التجهيز التي رضينا بها مقابل الأربع ساعات قطع، اصبحت ساعة واحدة أو ساعة ونصف أو ربع أو... ليبقى الناس حيارى ماذا يصنعون ليوفروا الطاقة الكهربائية لأطفالهم ونسائهم، هل يشترون الوقود ليشغلوا مولداتهم الخاصة؟ أم يلتمسون ويتضرعون لدى أصحاب المولدات الأهلية ليضيفوا متفضلين ساعات أخرى على الحصة المتفق عليها؟ أم يحثّون الخطى رافعين الأغطية والمفروشات على رؤوسهم باتجاه سطح الدار ويتوجهون بعيونهم وشجونهم صوب السماء...؟
اعتقد جزماً أن السبب في عدم إسراع السياسيين بتشكيل الحكومة، وأيضاً السبب في عدم تحرك دوائر الضغط ومنظمات المجتمع المدني المفترض وجودها النشيط في العراق الديمقراطي الجديد، لمعاضدة الناس ونقل معاناتهم ومطالبهم، هو الشعور بان الطريق ما يزال مفتوحاً امامهم ولا بأس من استمرار عملية ليّ الذراع واختبار التحالفات ومراقبة المصالح من الضياع والحفاظ على المكانة والسمعة و... ليبقى الناس أمام الجدار الأخير في هذا الطريق المسدود يستهلكون ما يستندون عليه من الثقة بنخبهم ومثقفيهم، وربما تكون النتيجة والعاقبة التي نسأل الله أن تقع في عراقنا الصامد.
|
|