همسة بالمناسبة
على مقربة من مائدة الرحمن
|
*حسين محمد علي
ما هو شعورك وأنت تُدعى الى مأدبة طعام سواء كان غداءً أو عشاءً وبغض النظر عن طبيعة المدعو أو المكان والزمان؟ لاشكّ ستتخذ جملة من الاجراءات غير الاعتيادية لتلبية هذه الدعوة الكريمة والمشاركة في طقس اجتماعي بهيج، من قبيل إعداد المظهر الجيد والالتزام بالوقت والموعد المحدد والحرص على مراقبة أجواء المأدبة وماذا تتطلب من سلوك وتصرفات، فهل فيها الفكاهة والمرح؟ أم تسودها الجدّية والاتزان؟ أو غير ذلك، كل ذلك من أجل أن تدخل هذه المأدبة وتخرج بعد وقت محدد ربما لا يتعدى الساعة الواحدة أو الساعتين على الأكثر وتعود أدراجك الى حياتك الطبيعية، وأنت أعطيت صورة جيدة لمضيفك بانك الأكثر أدباً والتزاماً بالاعراف الاجتماعية. وأن لا تكون العكس فتضطر للاعتذار وطلب الصفح طوال فترة جلوسك وحتى لحظات التوديع والمغادرة.
هذا اذا كان المضيف هو مثلنا انساناً فهو يخطئ مثلنا في مناسبات كهذه، فما بالنا وأن المضيف في شهر رمضان المبارك هو الله جلّ جلاله خالق الكون، وهو المعطي والقدير على كل شيء؟ وقد أعلن نبينا الأكرم في خطبته الشهيرة بانه (شهرٌ دعيتمُ فيه الى ضيافة الله...)، وقد كتب الكثير عن الفوائد المادية والمعنوية الكثيرة جداً لصيام شهر رمضان المبارك، نعم؛ ربما هنالك من يقول: باني لست ممن يستفيد من هذه المائدة، كمن يحظر مأدبة طعام وهو محظور عليه بعض الأطعمة لأسباب صحية، لكن هل سيفرض حالته الخاصة والاستثنائية على الآخرين الجالسين على مائدة الطعام؟! ان العاقل والحكيم والعارف بمصلحته الاجتماعية سينكر هكذا تصرف، فلا يستفزّ الاخرين بعدم استخدام الملح – مثلاً- ولا يعترض على وجود الدهون في وجبات الطعام والى آخر القائمة...
في هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، هناك من يعاني من متاعب صحيّة أو يمارس مهناً وأعمالاً شاقّة تكلفه جهداً كبيراً يتعذر معه الامساك عن الطعام والشراب، لكن بوسعه وبامكانه مراعاة مشاعر الآخرين الذين يمسكون عن الطعام والشراب ويتجولون في الشوارع والاماكن العامة، وهذا لا يتطلب جهداً مضاعفاً سوى مجرد شعور بالمسؤولية أمام الله تعالى واحترام مشاعر الاخرين ومباركةً لهم جهودهم وتحملهم الجوع والعطش قربة الى الله تعالى، ربما يدعو البعض لأن يوفقه الله تعالى بزوال العارض والانضمام الى بقية اخوانه المؤمنين.
ونحن في العراق معروفون بالمواساة في الشدائد والمحن، وهو ملاحظ في مراسيم التأبين والفواتح، وأيضاً بين الجيران في المناطق السكنية، لذا لا نبتعد عن هذه الخصلة الأصيلة والصفة الحميدة في هذا الشهر الفضيل، ولا يتعلل أحدٌ بمشكلة الطقس الحار وانه خارج عن التحمّل وتجعل الانسان يفعل أي شيء!! لننظر الى أخواننا المسلمين في باكستان كيف يستقبلون هذا الشهر وهم تحت الخيام وقد جرفت الفيضانات بيوتهم وممتلكاتهم، وكيف يصوم المسلمون في الصومال التي لا تبرح عنها غيوم الحرب الاهلية وهاجس الموت والطقس الحار أيضاً وقلة الخدمات؟! وهناك الكثير من البلاد الاسلامية تعيش أوضاعاً مأساوية لكن لا تصلنا أخبارهم وأوضاعهم، فنقصر النظر الى البلاد القريبة المرفّهة ونطلب بان نكون مثلهم متناسين ما عندنا من النعم العظيمة مثل المياه العذبة في معظم مناطق العراق، والتي يتحسّر عليها أصحاب المليارات في الخليج وغيرها، وأيضاً التربة الخصبة الصالحة للزراعة وفرص العمل المتعددة و.... و لايسعنا إلا أن نقول: الحمد لله رب العالمين وشكراً لله تعالى على هذه المائدة الكريمة.
|
|