التدبر في القران الكريم خطواته والياته – 4
|
أوصاف المتدبر
بعد ان بينا في الحلقات السابقة ضرورة التدبر في القران الكريم، و اجبنا على الشبهات في طريق التدبر في القران، لابد من بيان شروط وصفات المتدبر في القران الكريم، كيلا يقع في الاخطاء اولاً ولكيلاً يتبوء مقعده من نار جهنم.
و الصفات بدورها تنقسم الى نفسية، حيث تأثر النفس البشرية بالضغوطات الاجتماعية والشهوات الآنية، والى صفات عقلية، باعتباره الوسيلة الاساسية للوصول الى حقائق القران الكريم ومن دون وجود منهجية صحيحة للعقل في هذا المجال لا يمكن فهم الآيات القرآنية بالشكل الصحيح.
واليك شيء من التفصيل في الصفات:
1- الصفات النفسية:
ان اهم الصفات النفسية هي الايمان بالقران الكريم بانه كتاب هدى، و انه نور لهداية البشرية جمعاء وانه حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، وتنشأ من هذه الصفة صفة الاستعداد لتطبيق الايات القرانية. يقول المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي عن الصفة الاولى: ( لابد ان نقرأ القرآن بوصفه خطاباً موجهاً إلينا من اللـه العظيم، فقد جاء في الحديث: (ان في القرآن المناجاة مع الرب بلا واسطة فانظر كيف تقرأ كتاب ربك، ومنشور ولايتك، وكيف تجيب اوامره ونواهيه وكيف تمثل حدوده) (1) إنه وثيقة ارتباطنا بالمُبدئ المعيد، باللـه.
إنه المنقذ من كل ضلالة وشقاء. جاء في الحديث: (القرآن عهد اللـه إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم ان ينظر الى عهده).
ويضيف سماحته قائلاً: (إن القرآن قد يخاطب رسوله في نصوصه ولكنه لا يعنيه فقط، بل ويعني معه كل شخص تال له، جاء في حديث مأثور عن الامام الصادق (ع): إن القرآن نزل على لغة (إياك أعني واسمعي يا جارة). أي أنه خطاب موجه إلى الرسول صلى اللـه عليه وآله وسلم، ولكنه شامل ايضاً لك ولي ولكل التابعين له. فحينما يقول القرآن: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لآ إِلَهَ إِلاَّ اللـه وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ" (محمد/ 19)، يجب ان أبادر بالاستغفار لانه خاطبني شخصياً بذلك. وحينما يقول اللـه: "يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا. ." يجب ان استعد لتلبية امره، واقول: لبيك اللـهم لبيك ماذا تأمرني؟).2
اما عن الصفة الثانية فيقول المرجع المدرسي : (إن هذه الصفة شرط هام في فهم آيات اللـه، إذ ان التسليم المسبق لنتائج البحث عن الحق يساعد النفس على البحث المجرد، بعكس الاستكبار والتردد في قبول نتائج البحث العلمي، إذ أنه يقلل من قيمة هذا البحث عند الانسان وبالتالي يصرفه عنه.
من هنا كان على الإنسان ان يجعل القرآن امامه ويسلم إليه زمام امره قبل ان يبدأ بتلاوة آياته حسبما يصف الإمام علي ( المؤمن الصادق فيقول: "قد أمكن الكتاب من زمامه فهو قائده وامامه يحل حيث حل ثقله وينزل حيث كان منزله".)
وباعتبار ان القران الكريم لا يهدي الا من امن به واستعد لتطبيقه، يقول المرجع المدرسي : ( وان فريقاً من الناس يتلون القرآن فيؤوّلون آياته حسب اهوائهم ابتعاداً عن العمل بها، إن هؤلاء لا يؤتون فهم القرآن ابداً، بل ان تلاوة القرآن ستزيدهم وزراً ووبالاً. إنما يؤتى علم القرآن من تواضع للحق، وسلم للـه وفتش عن الواقع، واستعدّ سلفاً لاتباع الحقيقة لو انكشفت له).
2-الصفات العقلية:
ان اهم صفة يجب ان يتحلى بها الانسان قبل الجلوس على مائدة القران الكريم هي افراغ ذهنه من المسبقات الفكرية، فلا ياتي ليحمل اياته على القران الكريم، بل يأتي الى القران تلميذاً متواضعاً.
ومن بعد التواضع، على المتدبر ان يتحلى بصفة التركيز فهي من افضل الوسائل لاستخراج الدرر من القران الكريم، الا ترى كيف يمكنك اشعال النار عبر تركيز شعاع الشمس الموجود في كل مكان، ولو افترضنا ان القران الكريم كالشمس حيث تلقي بشعاعها كل مكان فليس علينا الا ان نركز هذا الشعاع لاشعال نار الفكر، لكن التركيز لا يكون امراً هينا، يقول المرجع المدرسي: ( وبمدى اهمية التركيز تكون مدى صعوبته، إذ ان النفس تقاوم التفكر في امر واحد عدة ثوان، ولكن على الذي يريد الفهم ان يروّض نفسه على صفة التركيز، فيظل يوجه اهتمامه الى شيء واحد عدة لحظات، حتى يعرفه.
ولهذا جاء في الاحاديث الأمر بترتيل القرآن لانه اقرب الى التركيز من التهامه. فجاء في حديث عن امير المؤمنين (ع) انه قال في تفسير قول اللـه تعالى: "وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً" (المزمل /4)، قال: بيّنه تبييناً، ولا تهذّه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل، ولكن فزّعوا قلوبكم القاسية ولا يكن همّ احدكم آخر السورة. (3)
وعن الامام الصادق (ع) في تفسير هذه الآية "وَرَتِّلِ الْقُرْءَانَ تَرْتِيلاً" قال: قف عند وعده ووعيده وتفكر في أمثاله ومواعظه. (4)5
لكن التركيز وحده لا يكفي اذا ما اكتمل بالشجاعة الكافية التي تجعل الانسان يثق بما وصل اليه ولا يخشى الاخرين وخصوصاً العظماء منهم. يقول المرجع المدرسي عن الشجاعة : (إن الحق يظهر لكثير من الناس، إلا ان قليلاً منهم يراه، لماذا؟ لان اكثرهم يهاب رؤيته، ويخاف ان يتعارض مع مسبقاته الفكرية ورواسبه التقليدية، يخاف ان يتناقض مع افكار مجتمعه وبيئته، لذلك لا يقترب منه، بل يغمض جفنه إذا اقترب الحق منه. هكذا يجب ان نتحلى بشجاعة الفهم إذا اردنا ان نخوض حقل التدبر، فيجب ان نجعل الحق فوق كل شيء. فليكن معارضاً لأفكارنا السابقة، او ليكن متناقضاً مع افكار الناس. لابد ان نقول اننا سوف نتبعه، فانما بهذه الروح الشجاعة فقط نستطيع كشف الحقائق. إن آراء المفسرين حول الآية يجب ان لا تعيقنا عن التدبر من جديد في معناها، إذ ربما كانوا جاهلين بمعناها، او ببعض معانيها وآفاقها).
ــــــــــــــ
(1) تفسير الصافي،ج1،ص47.
(2) بحوث في القران الحكيم.
(3) الهذّ: سرعة القراءة، والنثر: التباطؤ فيها بحيث لا ترتبط كلماتها. الصافي، ج1، ص45.
(4) المصدر، ج1، ص47.
(5) بحوث في القران الحكيم: ص 40
|
|