التربية النفسية و دورها في بناء شخصية الطفل
|
* أعداد / كريم الموسوي
يتفق علماء الاجتماع والتربية على ان الصحة النفسية يجب ان تواكب مسيرة نمو الطفل الى جانب الصحة البدنية في مرحلة ما قبل البلوغ، وكثيراً ما نلاحظ الاهتمام بالطعام والشراب وارضاء الاطفال بتلبية حاجاتهم سواءً داخل البيت او في محيط المدرسة او خلال اختلاطه باقرانه في الزقاق حتى لا يشعر بنقص في اثوابه او حذائه او العابه او طعامه او مظهره وغير ذلك مما هو مطلوب وضروري ومؤثر في تنمية شخصية الطفل المقبل على مرحلة المراهقة والبلوغ، لكن ربما يغفل الكثير من الآباء والامهات عن الحاجة النفسية والروحية للطفل، فلا يجدون تناقضاً من ان يختلط المظهر الجميل و وسائل الراحة للطفل مع اجواء الحرب الكلامية والتحقير والشد النفسي والعصبي.
هنالك خطوات كثيرة في طريق صياغة الشخصية السوّية لاطفالنا بتغذيتهم بالحنان والقيم الفاضلة والاخلاقية، مما يمهد لهم الطريق لرؤية الحياة بعين شفافة وناصعة ويتمكنون من التعامل مع الاشياء ومن حولهم بشكل صحيح خالٍ من الارتباكات والاخطاء.
1- إشغال الطفل باللعب التعليمية والترفيهية والألعاب الرياضية وغيرها من الاعمال التي تنشط الذهن وتمنحه الثقة بالنفس، فالطفل الذي يمارس الرياضة او يرسم منظراً طبيعياً او يصنع من الخشب شيئاً معيناً، سيغمره شعور بالرضا من انه قادر على تحقيق شيء ما، عكس من يلتصق بشاشة التلفاز ليرى الصور المتحركة ولساعات عديدة، وهي تنتقل بين العنف والتدمير او الحكايات الخرافية التي لا تتصل بواقعه، فانه سيشعر انه موجود تافه عديم الفائدة، وان كان يريد ان يتغير عليه ان يقلّد ويتقمص شخصيات (الكارتون)، وهذه الحالة الخطيرة نجدها في الصبيان كما نجدها كثيراً في الصبيات والفتيات.
2- التدرج عند محاولة تخليصه من عاداته السيِّئة بدلاً من الأسلوب الفجائي الذي يثير إنفعالاته ويأتي بنتائج عكسية.
3- اشراك الطفل ببرنامج الأسرة خارج البيت، من قبيل الزيارات العائلية وصلة الرحم، وعدم الاقتصار على الحدائق العامة والتنزّه والالعاب، لأن حضور الجلسات العائلية والتعرّف على اطفال آخرين باعمال متشابهة له اهمية بالغة في نمو الشخصية وتبادل الخبرات، هذا الى جانب المسألة المعنوية وتقوية اواصر العلاقة النسبية التي ستجد طريقها للتطوير بمرور الزمن، وعندما نجد اليوم ضعف في العلاقات الاجتماعية بين الرجال والنساء الاقارب، فان هذا الضعف يعود الى مرحلة الطفولة.
4- حسن إستخدام مبدأ الثواب والعقاب، وجعل أساسه الحب؛ فمثلاً في حالة إصرار الولد على إشباع إحدى حاجاته من غير الضروريات، فعلينا أن نبدي له الإستياء لإصراره وعدم طاعته، وقد نعاقبه بحرمانه من بعض الإمتيازات التي كنّا نخصه بها، ومثل هذه العقوبات تفيد في إكسابه القدرة على إرجاء إشباع الحاجة وتحمل الإحباط؛ فهذا التحمل يحميه من كثير من الأمراض والإضطرابات النفسية في حالة تعذر تلبية رغباته، ولكن بشرط تعريفه بمسوغاتنا في عدم تلبية طلبه فوراً، على ألا نبالغ في معاقبته على كل صغيرة وكبيرة، ولا نلجأ إلى الضرب إلا بعد سلسلة من العقوبات الأخرى المخففة.
5- فتح حساب خاص في نفوس الاطفال بنيناً وبناتاً للتراث الديني وتشجيعهم على قراءة قصص التاريخ والحكم والعبر، ونسلط الضوء على سيرة أهل البيت عليهم السلام، لما فيها من صور رائعة من المواقف الانسانية العظيمة المثيرة للاعجاب والمحببة للنفوس.
6- التكتم على أخطاء الاطفال تُعد من الامور الاساس في الصحة النفسية. البعض من الاباء والامهات يرتكبون خطأ فادحاً عندما يشهرون بخطأ الطفل امام افراد العائلة في محاولة منهم لاصلاح الخطأ او لتنبيهه على ما فعله، لكن دائماً تأتي النتائج عكسية، لأنهم يغفلون مسألة تكوينية وهي غريزة حب الذات التي اودعها الله تعالى في نفس الانسان، وبهذه الغريزة تنمو شخصيته وقدراته وكفاءاته، فان كان معرضاً دائماً ومنذ الصغر الى التعنيف والتشهير والتسقيط، فكيف له ان يشق طريقه نحو العلا والسمو؟!
7- العفو والتسامح من الدروس المهمة التي يجب على اطفالنا ان يتلقوها قبل سن البلوغ، وهي مهمة شاقة بعض الشيء على الكبار لاسميا في ظروف معيشية صعبة، لكن لابد من تجاوز المعاناة والمصاعب التي لا دخل للاطفال بها، والظهور امامهم دائماً بمظهر الرضا والبشاشة والانشراح، وليس الانزعاج والتبرّم، ففي هذه الحالة سيخرج الى المجتمع انسان منتقم عنيف لايغفر لأي شخص أي خطأ او هفوة، وهذا ما يعرضه للمشاكل والازمات طوال حياته.
8- معالجة مخاوف الأطفال بصبر وحكمة، وتتعدد اسباب وظروف حالة الخوف عند الاطفال في مرحلة ما قبل البلوغ؛ فهنالك الخوف من بعض الحيوانات مثل الكلاب او القطط او الحشرات، او الخوف من الظلام وغيرها، وفي مرحلة لاحقة هنالك الخوف من النتائج الهابطة في الدراسة او العقاب في المدرسة او البيت. هذه النقطة لها تفرعات كثيرة وحديث متشعب، لكن في كل الاحوال على الآباء والامهات الالتفات بحرص الى هذه النقطة والتعامل معها برفق وانسيابية بعيداً عن الانفعال الذي يعيشه الطفل نفسه. وبنجاح الوالدين في تحطيم كل حواجز الخوف غير الحقيقية امام الطفل او المراهق، فانهم بذلك سيضمنان له شخصية قوية ومتماسكة في الكبر. طبعاً هنالك الخوف الحقيقي من المخاطر الذي يجب ان ينتبه اليه الاطفال، ولا يفتح الآباء باب المجازفة والمغامرة تحت ذريعة التشجيع والشطارة وغير ذلك، لاسيما ما يتعلق في تعلّم قيادة السيارة او استخدام آلات خطيرة ودقيقة.
هذا جزء بسيط من الامور التي ربما تفيد بناء الصحة النفسية وتضمن السلامة المعنوية للطفل، وقطعاً هنالك الكثير من النقاط والزوايا ربما بحاجة الى اضاءتها واثرائها بالبحث والمناقشة في التربية النفسية، ونتوسم خيراً بالخبراء في علم الاجتماع والتربية ان يفيدونا بها خدمة لجيل واعد ومعطاء.
|
|