البحرين والصراع حول روح الإسلام
|
د.أحمد راسم النفيس (*)
لا يزال مسلمو اللسان من الذين (قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) يواصلون انحدارهم الأخلاقي وتهاويهم إلى قعر الحضارة الإنسانية الاستحقاق الطبيعي للذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب من دون أن يعقلوه. ليس فيما جرى ويجري في البحرين من جديد اللهم إلا التغطية الإعلامية التي يجهد فريق (الدرع وجزيرته) لمنعها، في حين كانت المظالم الجماعية التي قام بها فريق الدرع منذ نشأته تجري في صمت (ولا من شاف ولا من دري) !!.
يدعي القوم أنهم الأولى والأحق بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله، في حين يبدو واضحا أن تصرفاتهم الهمجية وقتلهم الأبرياء بغير حق لا تنتمي لا لكتاب الله ولا لسنة رسوله أو حتى للقيم البوذية!!. ما هو معنى أو دلالة أن تقوم قوات ما يسمى بدرع الجزيرة باقتحام بيوت المسالمين وإخراجهم منها وإحراقها؟! هل لهذا علاقة بكتاب الله وسنة رسوله من قريب أو بعيد؟! (...). ثم يزعمون أنهم الأولى والأحق بكتاب الله وسنة رسوله!! .
تصف الآية 83 من سورة البقرة حال بني إسرائيل ولا تخاطبهم (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل)، أما الآية التالية فتوجه الخطاب لمسلمي اللسان محذرة إياهم من ارتكاب هذه الجرائم (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ) ومن ثم فلا معنى للاكتفاء بفهم الآية وكأنها موجهة لبني إسرائيل وحسب بل هي تحذير وإنذار لكل من سار على درب اليهود الجفاة القساة غلاظ الأكباد أعداء الله وملائكته ورسله وجبريل وميكال وصالح المؤمنين. الذين يقتلون شعوبهم ويطلقون عليها الرصاص ويهشمون رؤوسهم إنما يقتلون أنفسهم ويدمرون وجودهم وكيانهم!. يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا). ويقول سبحانه: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ).
كما أن جرم تدمير الكيان الاجتماعي لطائفة مستضعفة يصبح أسوأ وأظلم عندما يكون ثمرة فعل تآمري مخطط (تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) لا لشيء إلا لتمسكهم بالولاء لأهل بيت العصمة والنبوة في مواجهة المستبدين الذين يزعمون أنهم الأولى بكتاب الله وسنة رسوله، ولكن هذا الادعاء لم يلزمهم باتباع ما جاء في الكتاب المبين من الأمر بالمعروف والنهي عن الإثم والعداون. أما الكارثة الكبرى فتتمثل في وعاظ السلاطين الذين جعلوا القرآن عضيناً أي مزقا متفرقة يعرضون عنه إن لم يرق لهم (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ).
نحن أمام كارثة أخلاقية حقيقية ضربت من قبل وتضرب الآن كيان أمة يفترض أن وجودها مستمد من قيم القرآن الكريم وأحكامه لا من تلك الشخوص التي وضعت على رؤوسها العمائم وأصبح كلامها وفتاواها هو المصدر الأول للتشريع وليس القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (...).. الصراع الدائر الآن حول البحرين ليس صراعا بين السنة والشيعة، ولا بين العرب والفرس، بل هو صراع حول حقيقة الإسلام وقيمه، وحسمه سيكون مقدمة لحسم هذا الصراع في مجمله.
(*) باحث وكاتب مصري
|
|