الدعاء في القرآن الكريم
دعاء المؤمن بين الطموح الكبير والأمل الصغير
|
*صادق الحسيني
حين يتعامل الواحد منا مع مثيله من بني البشر ممن تصل يده بالكاد الى فمه او ما دون، فإنّه سيراعي ظروفه المادية والمعيشية اذا اراد ان يطلب منه شيئاً، وسيختلف الامر في تعامله مع من هو في الطبقة المتوسطة في المجتمع، ثم اكثر قليلاً مع السخي والكريم، وهكذا يرتفع سقف المطالب كلما علا شأن المدعو. كل هذا في اطار المخلوق المحدود، فما بالك لو تعلق الامر برب السماوات والارض وهو الكريم بعطائه اللامحدود و قدرته النافذة و ملكه الدائم و رحمته الواسعة؟ أليس من الحكمة أن ندعوا ربنا بكل ما نتمنى حصوله و كما في الحديث: (ابخل الناس من بخل على نفسه بالدعاء). خصوصاً اذا تذكرنا أنّ مقاييس الخالق ليست كمقاييس المخلوق، حيث (لا تنقصه كثرة العطاء إلا جوداً وكرما)، و كما في الحديث القدسي عنه تعالى مخاطباً عباده: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر). و هذا لا يعني الاعراض عن طلب ما هو صغير و دنيئ، و لكن المراد بأنّ الخطير و الحقير متساوٍ في مقاييس الرب فلا فرق بين الكوخ و القصر. و الدريهم و الملايين و الموظف البسيط والقائد الكبير.
من هنا جاء دعاء نبي الله سليمان عليه السلام عندما طلب من الله كل مبتغاه، وهو ان يهبه ملكاً فريداً يشترك في خدمته الجن و الانس و الطيور و... يقول تعالى: "رب اغفر لي و هب لي ملكاً لا ينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب" (سورة ص /35).
ان الرب تبارك وتعالى يهب لمن يشاء ما يشاء، فنحن ندعو أن ينزل علينا برحمته الازلية ما نصبو اليه و لا ينحصر ذلك في الماديات فقط، انما ايضاً فيما يرتبط بالعلاقة بين المعبود و العابد، فسمو منزلة المخلوق و بالتالي ضمان الدرجات العلى في الجنان أهم من طلب الدنيا الفانية و في ذلك ايضاً يدعو الصالحين ربهم لنيل اعلى المراتب و افضلها و ان كان قليلها حسن ايضاً فهذه امرأة عجوز من بني اسرائيل كانت وحدها تعلم الموضع الذي دفن فيه النبي يوسف (ع) و حينما سألها النبي موسى (ع) عن ذلك بأمر من الباري لينقل جثمانه الطاهر الى ارض كنعان أبت أن تدله الّا بشرط واحد، وهو ان تكون بدرجته في الجنة.. فهذه العجوز لم تطلب دخول الجنة فحسب بل وطلبت أن يتساوى منزلتها عند الرب مع منزلة النبي موسى (ع) في الجنان و فعلاً استجاب لها الرب ليكون دعاءها مضرباً للامثال.
وهكذا، يجب ان يكون مطلباً كبيراً. نقرأ في مناجاة المطيعين للامام زين العابدين: (الهي اجعلني من المصطفين الاخيار و الحقني بالصالحين الابرار). و هكذا أهم ما يدعونه هو توطيد العلاقة بربهم فيدعون قائلين: (الهي... هب لي كمال الانقطاع اليك و انر ابصار قلوبنا بضياء نظرها اليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل الى معدن العظمة وتصير ارواحنا معلقة بعز قدسك).
إذن؛ الباري عزوجل، كما هو كريم مجيب للدعوات، علينا ان ندعوه بكل ما نريد ونطمح اليه فلا تتحقق الغايات الّا بفضله عزوجل، ولعل هذه الروحية هي التي تكرس الايمان وتعمّقه في نفس الانسان، بانه تعالى الملجأ الوحيد والكهف الحصين في الملمّات والمهمّات.
|
|