قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الخيانة على مفترق طريق المصالح المادية
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *علي ضميري
غالباً ما يصدر عن الإنسان من أفعال ومواقف بما يجول في خاطره ويؤمن بأفكار، حتى قيل: كلّ إناءٍ بالذي فيه ينضح.
وللإنسان أن يختار لنفسه أيّ وعاء يكون...؟ إذ له أن يكون وعاءً طاهراً نزيهاً، فيصدر عنه ما هو خير وصواب.. كما له أن يحوّل ذاته إلى وعاءٍ نتنٍ ومستنقعٍ لكل قذارة، فيصدر عنه كل باطلٍ ووباء، فالأول يكون معيناً يسيل منه العمل الصالح، فيما الثاني يتقزّز منه من هو حوله، حيث يكون مصدر أذًى وإزعاج لكل من يحتكّ به ويرتبط ويتعلّق به.
وأحد نماذج الازعاج والأذى، أن يعمد الإنسان الذي يصنع من ذاته وعاءً للشر والباطل، إلى ممارسة الخيانة ولاسيما تجاه من يثق به ويعتمد عليه، خصوصاً حيث يتوقّع منه عرفان الجميل ورد الإحسان بالإحسان.
فحيث يبطن المرء من السوء ما لا يظهره للآخرين، ويتخذ من النفاق والازدواجية مسلكاً وطريقاً يسير فيه، فإنه أسرع ما يكون إلى ممارسة الخيانة بحق ذويه وأصدقائه ومن تربطهم به رابطة ما وعلاقة معينة. وكذلك حينما يعتمد الفرد مبدأ: (الغاية تبرر الوسيلة) ويضع في حسبانه مصالحه الذاتية بالدرجة الأولى، ويفضّل نفسه على من سواه، فإنه يكون على مقربة من الخيانة، وعند حافة الغدر بالآخرين ومصالحهم.
وهذه هي حقيقة من تسوّل له نفسه، الغدر بإخوانه ومن يثقون به، حتى أنه قد يتجسس على أبناء جلدته لصالح أعدائه،غير مهتم خلال ذلك على وجه الدقة بما سيؤول إليه مصير أهله والجبهة التي يقف فيها، لأن الخائن عادةً ما يكون قصير النظر وعديم التفكير بالعواقب النهائية لكل خطوة يخطوها، وممارسة يمارسها، وهذا بالذات ما يكلّفه غالياً في نهاية المطاف، لأنه قد يتسبب بضرر ما لغيره، إلا أن الضرر الأكبر يعود عليه، قياساً بطبيعة ممارسته وفعله الدنئ.
نعم، إن الله لايحب الخائنين، لأن الخيانة وإمكانية ممارستها، تعني قذارة النفس وتلوّث الروح وتعطيل دور العقل، أو حجبه بحجب الدناءة والسلوك الرذيل. والخيانة قد تعمّ أمانةً مالية، وقد تشمل أمانة العرض والشرف. وقد تتوجه إلى العقيدة والفكر، وقد ترمي بسهام غدرها علاقة الصداقة والحب والود.
والمهم في الأمر أن السلوك الخياني سلوك مرفوض جملةً وتفصيلاً، لأنه إخلال بطبيعة النفس الإنسانية، التي يتوقّع لها أن تكون وجوداً نزيهاً، حيث تطرد عنها الموبقات والرذائل، لأن النفس صنعٌ من الله سبحانه، وتعالى الله عن أن يكون مسبباً للعيب والباطل، ولكنّ التربية السيئة التي يتلقاها الإنسان والأجواء التي يعيش في خضمها، والظروف التي يتعرّض لها، والقناعات والآراء التي يتبناها ويتقمّصها هي التي تدفع به إلى ممارسة رذيلة الخيانة أو غيرها.
فما أقبح أن يخون الإنسان صديقه، حيث ينكر عليه أمانته! وما أسوأ أن يخون الفرد صديقه أو قريبه، بعد أن يأتمنه على عرضه وشرفه مثلاً! والأسوأ من كل هذا، أن يخون الفرد ما ائتمنه الله تعالى عليه من العقيدة السليمة والمبدأ الصالح! والحال أن الإنسان كان قد أعرب عن استعداده لتحمل أمانة شرف الوجود في الحياة الدنيا، وعظمة الإيمان بالله وبالرسول وبأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.
والأقبح من ذلك كله، أنه يستبدل كل هذه النعمة والشرف والأمانة بشيء لايمكن تسميته إلاّ بالأدنى والأتفه من كل شيء، وقد قال سبحانه وتعالى معرّضاً بهذا السلوك الشائن بمن يصدر عنه حيث قال: "أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ" (البقرة،61).
وهذا النص القرآني المجيد يعتبر تحريضاً إلهياً مباشراً على تفعيل دور العقل، وطرد كافة اشكال التربية السيئة، والتخلّص من الظروف الإجتماعية السلبية الضاغطة، واختيار الأصلح من الأمور، لأن الله سبحانه وتعالى لا يرضى للإنسان أصلاً سوى اختيار الأصلح لنفسه، حتى أنه في حقيقة الأمر، قد كفاه مؤنة وعناء البحث والتحقيق عن الأصلح. لأنه أوضح له كل أمور حياته، والقوانين التي ينبغي له الالتزام بها، خلال فرصته في دار الدنيا.
حقاً إن الخيانة ليست بالسلوك الذي خلق الإنسان لأجله، لأنه لايتناغم أساساً مع فطرته وعقله، ولا مع الحكمة التي تقف وراء وجوده في الحياة، لأن الخيانة تعني تنزّل الإنسان إلى حيث الحضيض، كما أنها تعني تعمّد نكران الجميل من قبل الشخص الخائن، واستفحال رغبته السيئة لاستغلال الآخرين والغدر بهم وخصوصاً أولئك الذين أولوه ثقتهم وأتمنوه آمانتهم.
والخيانة طبعاً ليست قاعدة للممارسة السيئة بقدر ما هي مؤشّر ومظهر، أو انعكاس لوجود السيئات، وبلوغها حداً خطيراً، فإن الإنسان مطالب قبل كل شيء، بشأن عملية تطهير ذاته لدرأ خطر الخيانة عن أن يطفو وينضح على تصرفاته وسلوكه.