النية و صورة الأعمال
|
* العلامة الشيخ محمد علي المحفوظ*
بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم: "قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً". (سورة الإسراء /الآية 84).
تلعب النيات دوراً كبيراً في تأسيس صور الأعمال على صعيد الواقع ؛ إلى الدرجة التي جعلت الإسلام يعتبر النية هي أساس الأعمال بل و جعلت النية خيراً من العمل و لذلك يقول الرسول الكريم (ص): ( إنما الأعمال بالنيات و لكل إمرئ ما نوى)، لأنه في الحقيقة تتأسس صورة أي عمل في البدء في داخل النفس ثم بعد ذلك يتشكل هذا العمل من خلال الأداء و السلوك.
لكن النية تمثل الخلفية الذهنية والفكرية لأي عمل و الأرضية التي ينطلق منها أي عمل. فإذا كانت الخلفية الذهنية سليمة - صادقة – صالحة، تتشكل في صورة عمل صالح، و إذا كان العكس فإن العمل سيكون سيئاً في الصورة الخارجية. بل إن النية هي خير من العمل؛ و لذلك نية المرء خير من عمله و نية الفاجر شر من عمله أو الكافر، بإعتبار إن الكافر لا ينوي ذلك لله سبحانه و تعالى، لكن إذا ما نوى الإنسان في داخله لله عز وجل قد يعطي من النية ما لا يعطي على العمل. فيعطي الله عز و جل على النية ما لا يعطي على العمل فأحد التوجيهات في شهر رمضان العظيمة التي تحدث عنها الرسول (ص): (فسألوا ربكم بنيات صادقة ؛ و قلوب طاهرة ، أن يوفقكم بصيام هذا الشهر و تلاوة كتابه)، صفة الصيام و القيام و التلاوة في إن لا تكون مجرد أعمال روتينية و وظائفية يقوم عليها الإنسان أو تكون قضايا حيوية في حياة الإنسان.
لذلك ينبغي على المرء في كل شيء أن يحدد لنفسه النية حتى في الأكل و النوم كما يقول الرسول (ص) لأبي ذر: ( يا أبا ذر ليكن لك في كل شيء نية حتى في النوم و الأكل). هذا ليس إن القضية مجرد وظيفة و إنما هي باب الدخول للقضايا المختلفة، لذا يتأسس من النيات باب الفكر و شحذ الهمة و تنمية هذا التفكير في داخل الإنسان و لذلك النيات لا تكمن فقط البدايات السليمة للأعمال و إنما حتى النهايات.
من هنا في شرعنا و في فقهنا و في عقيدتنا تبقى النية ملازمة لأي عمل يقوم به الإنسان كما يجب أن تكون ملازمه له طوال فترة العمل و على سبيل المثال لا الحصر إذا ما خرج الإنسان عن هيئة الصلاة فإن الصلاة تبطل. لكن في ظل كل القضايا و الأعمال فان الإنسان يجب ان تكون نيته لله، فهناك كثير من الناس يترددون من اتخاذ المواقف في مفترق الطرق، و هذه قضية طبيعية تواجه الإنسان، فينبغي أن يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، لكن من يعطي هذه القوة يا ترى؟ و من أين تستمد المعنوية و القدرة على إعطاء القرار المناسب ؟ إنها النية بلا شك .
فيجب ان تكون النية حاضرة، و ليس موجودة فقط بل متوفرة في كل وقت، يقول الإمام زين العابدين ( ع): (اللهم وفر بلطفك نيتي)؛ النية يجب أن تكون ملازمة للمرء في كل الأوقات لكي يتم خلالها تحديد المواقف فلا يصح التراجع في اتخاذ القرار و تأجيله؛ صحيح إن المرء حينها ينبغي أن يفكر أيضا في أي قضية لكن نية المرء تعطيه القدرة على تشخيص الأمور حتى لا تفوته الفرص فكم من إنسان قد فاتته الفرص و التي تمر من أمامه فرص كما تمر على الآخرين لكونه فاقداً للنية.
و كثير منا يعتبر إن أي قضية هي قضية شكلية، لكن النية ليس كذلك، فالنية موجودة في القلب و ليست بالضرورة من خلال الحث؛ فلا حاجة لترديد اللفظ على اللسان لأن القلب هو الذي يتحرك و هو الذي يقرر و هو الذي يحدد التوجهات والمسارات و الخيارات و الاختيارات كما ينبغي أن يكون القلب حاضراً في كل آن .
و لكي لا يكون هناك أي مجال لإضاعة أي فرصة في الاتجاه الإيجابي أو السلبي ينبغي أن تكون همسات القلوب و حركات الأعضاء و لمحات الأعين في موجبات الثواب لأن الإنسان قد تداهمه الفرص و المواقف فإن الخلل في الصلاة يفقد الصلاة مصداقيتها فتكون بين القوة و الضعف لتوسط الشيطان فيها ليشد بإتجاه سلبي فيجب أن تكون لديه حصانات ضد الشيطان و تكون النية حاضرة على طول أداء الصلاة. و أن تكون النية متوفرة في كل مكان و زمان في الصوم والحج و الحل و الترحال و في الرواية: (من صام صامت جوارحه) فهذا المطلوب، وليس الصوم مجرد الامتناع عن الأكل و الشرب، فتبقى نية الصوم لمن تصوم؟ وما الهدف من الصيام .
*المقال يعود الى ما قبل اعتقال سماحة الشيخ المحفوظ من قبل سلطات الامن البحرينية
|
|