بصائر

كيف نتجنب التضليل الاعلامي في ضوء القرآن الكريم؟*

هناك نوع من المخلوقات تصبيهم الآفات من طبيعة اجسامهم، ولكن الآفات التي تصيب الانسان، قد تكون من قبل جسمه وعقوله وارادته، والكوارث التي تحيط بالانسان كالزلازل، والامراض ..

قال تعالى: {قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ * وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}.

هناك نوع من المخلوقات تصيبهم الآفات من طبيعة اجسامهم، ولكن الآفات التي تصيب الانسان، قد تكون من قبل جسمه وعقله وارادته، والكوارث التي تحيط بالانسان كالزلازل، والامراض ..الخ، قد تفتك به، ولكنّه ايضا قد يدمر نفسه بانتخابه الخاطئ، واذا عدنا الى التأريخ، وقرأنا حول الاقوام او الافراد الذين اُهلكوا، نرى انهم ظلموا انفسهم بطريقة او بأخرى، كقوم عاد وثمود، وكقارون وفرعون، واليوم قد يكون ظلم المسلمين الايغور، هو الذي سببَّ للصين هذا المرض المميت المسمى(كورونا)، والذي جعلها تخسر ملايين الدولارات، وهذا ما يؤكده القرآن الكريم في احدى آياته: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}، ويقول في آية أخرى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا}،

هذه ليست عبادة الركوع والسجود، انما هي عبادة

الخضوع والاستماع الى افكار الطاغوت

إن الامة الاسلامية تعيش اوضعا مأساوية، مما ادى الى تأخر النمو والتطور لدى افراد الامة ومجتمعاتها، فلماذا وصلت الامة الى الحال التي هي عليه الآن؟
و كيف ينجو المسلمون مما هو فيه؟
إن الجسم المصاب بفايروس معين، او بأي نوع من المرض، لا يمكن أن يستفيد بشكل كامل من كل ما يأكله ويشربه، لأن كل ذلك يذهب الى ذلك الفايروس او المرض، وبالتالي عدم استفادة الجسم واستقواء المرض، ولهذا لا بد من التخلص من الفايروس، كذلك الانسان فما دامت الامراض الفكرية والثقافية تنشر في نفسه، فإنه لا ينتفع بنصيحة الناصحين، ولا تنفعه الثقافة الصحيحة.
فالانسان الذي يخضع للطاغوت، لا يمكن أن يطيع الله سبحانه وتعالى، لأن الطاغوت مسيطر على عقله، ولهذا فإن الآية الكريمة من سورة البقرة تؤكد أن على الفرد اولا أن يتجنب الطاغوت، يقول تعالى: {فَمَنْ يَكْفربِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا}.
و في سورة الفاتحة يقول الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}، وهنا بيان لصفة من يجب أن نقتدي بهم، فهم اولا من الذين أنعم الله عليهم؛ وثانيا: ليسوا من الضالين، فلم يكتفِ بسمة أنه أنعم عليهم فقط، بل اضافت اليها، انهم غيرُ ضالين، وهذا معيار اساس في اختيار القدوة والاسوة، ولهذا لا يكفي أن تكون على الطريق المستقيم، من دون أن تتبرأ من المغضوب عليهم، وأن تبتعد عنهم.

  • نجاة المسلمين في اجتناب الطاغوت

يقول تعالى: {قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي}، صحيح أن هذا الخطاب موجه الى النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، لكنّه أيضا موجه إلينا، والاخلاص هنا لله وحده لا شريك له، فلا يمكن أن يكون لله ولعبد الله، او كما يقال: ” لله ولقيصر”، فعمل الخيرانما يكون خالصا للباري – جل وعز- وهذا ما خلّده القرآن عن إنفاق أهلُ البيت ، عليهم السلام، الطعامَ لوجه الله قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً}.
ثم يقول تعالى : {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}، فمن يعبد دون الله يكون هو الخاسر، وأهله معه ايضا يخسرون، فخسارة الانسان لبعض مكتسبات الدنيا في قبال الفوز في الآخرة ليس شئياً أمام ربح الدنيا وخسارة الآخرة، {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنْ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}، فالتقوى تمثل ركيزة اساس في خوف الانسان من ذلك المصير الاخروي المحتوم، وهذا ما يدفعه الى العمل الصالح.

الانسان الذي يخضع للطاغوت، لا يمكن أن يطيع الله

سبحانه وتعالى، لأن الطاغوت مسيطر على عقله

وتتسلّسل الآياتُ في بيان البصائر القرآنية التي تصنع للانسان الرؤية الصحيحة في الحياة، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا}، فالانسان عليه اجتناب الطاغوت، لأن عدم الاجتناب يعني ان الطاغوت يتغلل بأفكاره وثقافته الى روح الانسان وجسده، {وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمْ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}، ولأنهم اجتنبوا الطاغوت، ولم يسمحوا للسموم الفكرية، والثقافات الباطلة والهجينة أن تسطير عليهم، ونتيجة استجابتهم لله، فإن الله يبشرهم، لانهم استمعوا الى الكلام الصحيح، ولم يَدَعو أي كلامٍ يدخل مسامعهم الا بعد التأكد من صحته وخطئه، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}، وهداية الله مثلت المحصلة النهائية لهم، لان وصلوا الى مقامات عالية.
مشكلة الامة الاسلامية اليوم؛ كأفراد، ومجتمع، وأمّة، هي عدم اجتناب الطاغوت، فالطاغوت يستحوذ على الناس، ليس بقوة السلاح، وانما بارهاب السلاح وترغيبه، والانسان عندما يخضع للطاغوت، فإنه يصبح عبدا له، والامة اليوم تتعرض لموجة اعلامية ضخمة جداً، فمئات المليارات من الدولارات تنفق في سبيل الشبكات الاعلامية، وهذه كله من اجعل استعباد الامة واخضاعها.
ما حدث في النجف الاشرف، مدينة الامام علي، عليه السلام، من اقتتال بين الشباب، انما هو نتيجة مباشرة للافكار الفتنوية التي تبثها وسائل الاعلام المختلفة، فما دامت هذه الآلهة المزيفة تتحدث بدون أن يعي الناس ما تقول، فهذا يمثل تدجين للشعب، والبريطانيون فيما قبل كانوا يلجأون الى سياسة “فرّق تسد” بحق الشعب العراقي، واليوم؛ كَشفتْ وثائق أن البريطانيين كانوا سببا لنزاع بين السنّة والشيعة في بغداد، عندما احتلوا العراق في القرن الماضي.

  • كيف نتصدى للهجمات الاعلامية ؟

من الضروري الرجوع الى العلماء، لبينوا ما التُبس على الناس، وهذا ما يؤكده الامام علي، عليه السلام بقوله: ” َيا كُمَيْلُ بْنَ زِيَادٍ الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ”.
هناك منظمة الآن في صريبا، تقوم بقيادة بعض الشباب داخل العراق لتخريبه، والحاق الاذى به، وهذه المنظمة هي نفسها شاركت في عمليات القتل ضد المسلمين في البوسنة والهرسك.
ولهذا كانت مطالب العلماء أن تكون المظاهرات من بدايتها سلميةً، لكنّ افرادا خرجوا الى الشوارع، واحرقوا الاطارات، واغلقوا المدارس والجامعات، واعتدوا على القوات الامنية، والتي هي جزء من هذا البلد والمنتسبون في هذه المؤسسة هم من ابناء هذا الشعب، وعندما غابت الشرطة عن الساحات وقعت اعمال عنف أدّت الى سقوط عدد من القتلى والجرحى.
إنّ تضعيف الشرطة والقوات الامنية في العراق، – والذي يسعى اليه الاعداء من الداخل والخارج- ان تضعيفهم دمار للبلد، وفيه خطر كبير على المتظاهرين، فالذي يهدم سورَ بيته، لابد أن يتوقع دخول المجرمين والسراق الى بيته، كذلك فالقوات الامنية هو سور الشعب والبلد، فإذا هُدم هذا السور، فبمن يحتمي الناس، ومن هنا فإن على المتظاهرين تجنب اضعاف مَن يدافع عنهم وهم القوات الامنية والشرطة.
إن هدف التظاهرات هي ايصال صوت الناس، وليس تخريب العراق، فملايين  الدولارات خسرها البلد، ومن هنا فإن الجميع مسؤول، وليس من الصحيح القاء اللوم على الآخر، يقول الحديث الشريف: ” كلكم راعِ وكلكم مسؤول عن رعيته” .
على الامة الاسلامية الرجوع الى القرآن الكريم، وخصوصا هذه الآية الكريمة التي تقول: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا}، فهذه ليست عبادة الركوع والسجود، انما هي عبادة الخضوع والاستماع الى افكار الطاغوت، لانه يقود الناس الى النار بهذه الافكار المنمقة والمزخرفة، ولهذا على الشعوب الاسلامية أن تقاطع وسائل اعلام الطاغوت مهما كان حجمها.
إن صناعة أمةً اسلامية قوية، ومجتمعاً اسلاميّاً صالحا، منوط بالعودة الى القرآن الكريم، {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا}، واذا اراد الانسان ان يستمع الى أي فكرة، فإن عليه في البداية أن يشكك فيها حتى يصل الى الصواب، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
إنّ على القوات الامنية بكل صنوفها أن تحمي هذا البلد، وان تحمي ايضا المتظاهرين السلميين، لأنه اذا تخلت هذه القوات عن مسؤوليتها سيدخل البلد في فوضى، ونفق مظلم، فما جرى في سوريا، ويجري الان في لبيبا والسودان، كلها نفس المؤامرة، وبنفس الافكار والاساليب، وهذا كل مخطط واحد لاسقاط الامة الاسلامية وتدميرها، ولكن بإذن الله تعالى سيخرج الشعبُ العراقي منتصرا من هذا المخطط الاستعماري الخبيث.
———————–

  • مقتبس من المحاضرة الاسبوعية للمرجع المدرسي بتاريخ6\1\2020.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا