رأي

نبكي على الحسين أم على أنفسنا؟

من أبرز وأهم مظاهر العلاقة بين المؤمنين الموالين، و أهل البيت، عليهم السلام، التوسّل لديهم لقضاء الحوائج المستعصية، بل وبث الشكوى اليهم من مشاكل وأزمات يعيشونها؛ سواءً فيما يتعلق بعلاقتهم المتأزمة مع …

من أبرز وأهم مظاهر العلاقة بين المؤمنين الموالين، و أهل البيت، عليهم السلام، التوسّل لديهم لقضاء الحوائج المستعصية، بل وبث الشكوى اليهم من مشاكل وأزمات يعيشونها؛ سواءً فيما يتعلق بعلاقتهم المتأزمة مع الدولة، حيث الفساد الاداري، والبطالة، والمحاباة، سوء الخدمات، أو ما يتعلق بمشاكل العمل وضغط الديون وقلّة ذات اليد، او ما يتعلق بطلب العلم والتطلع الى مراقي النجاح، فنلاحظ توجه المؤمنين؛ رجالاً ونساءً الى مراقد أئمة أهل البيت، وأبنائهم أينما كانوا، التوسّل هناك، وذرف الدموع، والتضرع الى الله –تعالى- بمزلتهم لديه أن يقضي حوائجهم.
وفي أيام عاشوراء، ثم أيام اربعين الامام الحسين، عليه السلام، تأخذ هذه العلاقة شكلاً آخر، فهي تخرج عن كونها طلبات فردية لقضاء هذه الحاجة أو تلك، بل تتحول الى رأي عام داعي الى التغيير والإصلاح استلهاماً من مبادئ النهضة الحسينية، فالشعوب الرازحة تحت ضغط الديكتاتوريات والانظمة التعسفية والدموية، ترجو الخلاص والنجاة وتنفس الحرية بالحسين، فيما ترجو شعوب وصلت الى الحرية والديمقراطية، لأن تحقق العدالة والمساواة وشعارات دفعت مجاهدي الأمس، وساسة اليوم، الى المناصب العليا والتحكّم بالمليارات.
اذا كان الحوائج المتعلقة بداء عضال –مثلاً- أو طلب الذرية او الرزق او النجاح في الدراسة، مما يخرج عن إرادة الانسان وقدراته، فان قضية التغيير السياسي أمر يختلف تماماً، كونه واقع يخلقه الناس انفسهم، وإلا هل جاءت الديمقراطية الى العراق بالقوة ودون رضى الناس؟!
نعم؛ نحن نستلهم من النهضة الحسينية، ليس فقط كيفية مقارعة الطغيان، ومحاربة الديكتاتورية وتحقيق الحرية والكرامة، بل ونستلهم ايضاً الإصلاح والتطوير، وايضاً طريقة التفكير الصحيح لما يفضي الى بدائل ايجابية عما موجود من مساوئ واخفاقات، بما يعني أننا في العراق –تحديداً- علينا أن نجعل مصاب الإمام الحسين، وأهل بيته، وما ينطوي عليه من دروس وعبر، محور نشاطنا الحسيني ضمن فعاليات الشعائر الحسينية، أكثر مما نستذكر أزماتنا ومشاكلنا مع الحكومة ومع النظام السياسي القائم.
وللمفارقة أقول: إن الخطاب الحسيني للجماهير العراقية طيلة سنوات الاضطهاد والقمع، اتّسم بالخلوص التام لمصيبة الامام وتفاصيل الواقعة، مع اسلتهام الافكار من لدن خطباء مفوهين وشجعان ، وايضاً رواديد حسينيين ظلوا أحياء في القلوب، وهم يصوغون بمراثيهم، ثقافة الحياة وكيف يعيش الانسان سعيداً في ظل الولاء لأهل البيت، عليهم السلام، و رب من يعلل السكوت على المشاكل والمحن آنذاك؛ بالخوف من بطش السلطة، بيد أن هذا الرأي لا يصمد أمام مراثي حسينية تضمنت قصائد وكلمات وافكار تدعو الى حرية العقيدة والتعبير، والى مقارعة الظلم، والإصلاح الاجتماعي والالتزام بمبادئ النهضة الحسينية.
إن “مقتل الحسين” للشيخ الشهيد عبد الزهراء الكعبي، و قصيدة “يا حسين بضمائرنا” وغيرها من الامثلة الساطعة، هي التي أحيت الشعائر الحسينية في النفوس، وجعلتها نابضة ومتصاعدة الى اليوم، بل وكان لها الدور الكبير في تحقيق التغيير السياسي الكبير في العراق، وهذا لم يكن إلا بفضل ذلك الإخلاص والذوبان في نهضة الامام الحسين، عليه السلام، ولا يخفى على أحد طبيعة الظروف التي كان يعيشها خدّام الامام الحسين، من خطباء، وشعراء، و رواديد، واصحاب المواكب والهيئات والحسينيات، فقد كان كل شيء يفعلونه عبارة عن خطوة في ساحة معركة وجهاد لمواجهة شضف العيش، ومنغّصات الحياة، فضلاً عن مضايقات السلطات الظالمة آنذاك.
وعندما نكون في “بحبوحة” من العيش في ظل حرية، ربما لم يشهدها الشيعة في العراق منذ قرون من الزمن، ينبغي أن تتضمن كلمات الردّات في المواكب الحسينية، وفي قصائد الرواديد الحسينيين، ليس فقط مصاب الامام والجانب العاطفي كما كان في السابق، وإنما يحصل التطوير منهجياً في ضخ الدروس والعبر الى الناس والعالم مستفيدين من تقنية الاتصال المتطورة حول العالم، وتبيين كيف يكون الانسان المسؤول عن أسرته ومنطقته السكنية، ثم عن مجتمعه وشعبه، عامل مؤثر في تحقيق الإصلاح والتغيير الشاملين، وتبيين علائم النفاق والازدواجية والخذلان التي يجب ان يتجنبها ابناء الامة في كل مكان وزمان، حتى لا يتمكن طغاة آخرون من إلحاق الأذى بالمؤمنين كما حصل مع الامام الحسين وأهل بيته واصحابه من قبل طغاة بني أمية بسبب خذلان أهل الكوفة آنذاك.
نعم؛ بالامكان طرح الشكاوى والتظلمات ضد الواقع الفاسد، وضد الظواهر الاجتماعية، من خلال قنوات اعلامية، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وما أكثرها، وما أضخم ما تحمله من شكاوى وافكار وإثارات وحتى فضائح طيلة أيام السنة، ربما يكون بعضها بدافع الإصلاح وإدانة المفسدين، بيد إن أيام عاشوراء فرصة خاصة بإصلاح النفوس والذوات وإدانتها ثم تغييرها نحو الاحسن، لا أن تكون دكّة تعلو من خلالها الافكار والتوجهات والاذواق لمن يرى أنه الافضل، وعلى الآخر الانصياع له، فهذا ليس فقط لا يحل في المشكلة شيء، وإنما يكرس الواقع الفاسد، ويبقي الناس في دوامة مستمرة بين المشاكل واسبابها وعواملها، دون التخلص منها جميعاً، وتنضم هذه الايام الى سائر أيام السنة التي تنتعش فيها وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الفيسبوك، وتويتر، وانسنتغرام، وغيرها، وهي تعد نفسها المتنفس الوحيد للناس عن مشاعرهم وهمومهم فقط ولا شيء غيره.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا