مكارم الأخلاق

تأملات في مناجاة التائبين (13) هل جربتَ أن تعفو عن الناس؟

قال الامام زين العابدين، عليه السلام: “إِلهِي إنْ كَانَ قَبُحَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ فَلْيَحْسُنِ العَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ”.

إذا ارتكب الانسان ذنبا واحداً صغيراً ومهما كان بسيطا فهو يستحق أن يُخلّد في النار، إلا ان رحمة الله الواسعة التي وسعت العباد، احطات بالانسان وفتحت أمامه باب التوبة لكي تفسح المجال وتعطيه فرصة تلو الاخرى، حتى يعود ويحظى بجنان الله  ورضوانه.

⭐ مَن احسن فالله يُحسن اليه وهذا يتجلى في الدينا، وبهذا نتعلم من اخلاق الله وآدابه

الرحمة الالهية التي وسعتْ كل شيء تشمل جميع العباد مهما كانوا مذنبين، ومهما عظُم الذنب من الانسان فرحمة الله تشمله بعد عصيانه وتجرئه على بارئه وخالقه، بل حتى الرحمة الرحمانية تشمل ابليس لانه لو رُفعت لما بقي، فحينما طلب أن يُمهل فهذا يعني ان تلك الرحمة اعطته مجالا،  حتى لا يبقَ للانسان عذر، فإعطاء المدة الطويلة  لابليس ليتفكر ويتوب الى الله، والى الآن لا زال عند ابليس مجالا الى ان تقبض روحه، وهل هناك اعظم من ذنب ابليس؟

فالانسان له باب واسع للتوبة ولا عذر له إذا اغفل هذا الباب “فما عذر من اغفل دخول الباب بعد فتحه” وعلى الانسان ان لا يستجيب لوساوس الشيطان الذي يحاول منعه من دخول باب التوبة، فالشيطان يصوّر للانسان ان توبته لن تقبل وانه ذنبه عظيما، ولذلك يعلمنا الامام زين العابدين، عليه السلام، درسا حتى نتخلّص من وساوس الشيطان “الهي إن كان قبح الذنب من عبدك” الذنب قبيح لكن الله ــ تعالى ــ في غنى عن عذاب الانسان الذي خلقه ليرحمه لا ليعذبه {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}، فالله لا يحتاج الينا، بل نحتاج الى رحمة الله، وبإمكان الانسان ان يتعاطى مع الله بالعودة اليه حتى يحسن العفو منه ــ تعالى ــ  أما إذا تمادى الانسان فلن يحصل على أي عفو إلهي.

“فليحسن العفو من عندك” وهذه مدرسة؛ مَن احسن فالله يُحسن اليه وهذا يتجلى في الدينا، وبهذا نتعلم اخلاق الله وآدابه، ولان الانسان يتكوّن من شهوات واهواء لانها تمثل ضرورة له، لكن بإمكانه تجاوزها، فالمطلوب ان لا يكون الفرد عبدا لشهواته، لانه الاستجابة المطلقة للشهوات تُقحم الانسان في الذنوب القبيحة جدا، ولذا لابد ان يراقب الفرد نفسه حتى لا يبدر منه ذنبا، وما دام الامر القبيح مرفوض عقلا، فلابد من استحضار العقل لانه هو الذي يقبّح الاشياء والذنوب، لكن إذا وقع الانسان في ذنب ولم يستحضر عقله، ففي هذه الحالة لابد من اللجوء الى الله.

” إِلهِي إنْ كَانَ قَبُحَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ” وهذا اقرار بالذنب وطلب التوبة من الباري ــ عز وجل ــ، وهذا يتطلب ان يكون عندنا رقابة على انفسنا، فلسنا معصومين، فقد تبدر منّا الذنوب.

⭐ الانسان حينما يطلب العفو من الله يُقابَل بالاحترام والإجلال، لذا لابد ان ندعو الآخرين الى الدخول في عفو الله ورحمته

“فَلْيَحْسُنِ العَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ” وهنا طلب من الله ان يعاملنا بعفوه لكن إذا اردنا تحقيق هذا الامر فلابد ان نعفو عن الناس لان هذا هو الذي يقربنا من الله، فمن اسماء الله العفو، وفي الحج هناك دعاء تتكر فيه مفردة “العفو”: يا من يحب العفو ويا من هو اولى بالعفو .. اعفُ عنا. وفي صلاة الليلة ندعو الله ثلاثمئة مرة (العفو)، حتى تصبح لدينا علاقة مع العفو.

الانسان حينما يطلب العفو من الله يُقابَل بالاحترام والإجلال، لذا لابد ان ندعو الآخرين الى الدخول في عفو الله ورحمته، ونيل العفو الالهي يبدأ حين نعفو عن بعضنا البعض، وعلينا الاستفادة من قيمة العفو الالهي لتربية انفسنا واصلاح المجتمع، وابعاد الشيطان عن السيطرة على الناس، وبقيمة العفو نكون في حصن منيع بعيدا عن وساوس ابليس الرجيم.


  • (مقتبس من محاضرة لآية الله الشهيد نمر باقر النمر).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا