فکر و تنمیة

الاحتواء فن الدعم النفسي في الازمات

في أول مباشرة لي في الوظيفة في أحد مدارس المدينة، لم يحصل بيني وبين معاون تلك المدرسة ارتياح مبدأي، وكنت اعتقد انه يحاول بسط سطوته على اعضاء الهيئة التدريسية، حينها قررت ان لا اسمح له بتخطي حدوده، وحتماً هذا القرار نابع من الشعور بضرورة التصدي.

وبذلك بدأت مرحلة كنت اعتقدها انها مرحلة استفزاز، وبعد التفكير في الامر قررت ان استجيب لبعض مطالبه رغبة في تغيره رغم ان بعضها غير منطقي، وبعضها الآخر يفتقر الى الاسلوب اللطيف، وبعد الاستجابة له اصبح من اكثر الناس لطفاً معي، و تم حل الازمة وتغيرت معها الكثير من الامور التي كانت تزعجني، وهذا الذي يُعرف بالاحتواء.

  • ماهو تعريف الاحتواء؟

يُعرف الاحتواء في علم النفس التحليلي بأنه الطريقة التي يستوعب فيها أحدنا الطرف الآخر،/ ويهتم به وبمشاعره بشكل يغطي جوانب حياته، أي هو تماماً كالوعاء الكبير الذي يحتوي الوعاء الصغير، وعكسه يعني بالضرورة النفور والرفض الذي لا ينتج منه سوى التعب والعناء والشحناء، كما انه شكل من اشكال استيعاب الفرد بمعرفة ما وراء سلوكياته التي قد تؤدي الى مشكلة او صِدام.

⭐ من فوائد الاحتواء؛ انه يزيد من مستوى الصحة النفسية للانسان المحتوِي والمُحتوى، فالمُحتوى يشعر بأنه ليس وحيداً في هذه الحياة، فيستعيد عافيته النفسية تدريجياً، اما المُحتوِي فأنه يشعر بالراحة حين يقدم الدعم لانسان محتاج لهذا الدعم

في هذا السياق تقول المختصة في علم النفس الاستاذة؛ انسان سعلوس: “ان الاحتواء يكون بحسب الدور الاجتماعي الذي يقوم به طرف نحو الآخر؛ فالأم مثلاً، تتسم باحتوائها لأبنائها، كجزء من متطلبات دورها نحوهم، كذلك الرجل المتزوج يحتوي زوجته بمنحها الدعم والاهتمام والصبر على اخفاقاتها ومساوئها والسير معها بنجاحاتها خطوة بخطوة، وتقدير مشاعرها، واحترام مواقفها، والتناغم مع متطلباتها”.

  • اشارة:

سيدي القارئ الكريم ان الاحتواء ليس فقط احتضان الفرد او الاقتراب منه جسدياً بل لابد ان يقترن بسلوكيات تمتصّ غضبه، ومساعدته في تغيير سلوكياته غير المُرضية، و غير الرزينة، او المؤذية، وهنا يؤدي الانسان حين يمارس الاحتواء، مهمة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي الذي يحتاجه الانسان في اوقات التدهور النفسي، اذ ان الجميع يمرون في هذه الاوقات، ولكن بنسب مختلفة لكنها في النهاية تبقي الانسان بحاجة الى الدعم الذي يناسب حجم الألم والمحنة التي يتعرض لها.

  • أهمية الاحتواء:

من فوائد الاحتواء؛ انه يزيد من مستوى الصحة النفسية للانسان المحتوِي والمُحتوى، فالمُحتوى يشعر بأنه ليس وحيداً بوجود من يقدم له الدعم المعنوي، ومن ثمّ لا تضيق به الحياة، ويستعيد عافيته النفسية تدريجياً، اما المُحتوِي فأنه يشعر بالراحة حين يقدم الدعم لانسان محتاج هذا الدعم، لاسيما اذا نجح في تغيير مزاجه وعاد بها الى جادة السواء والتوازن الذي يُعد أمراً ضرورياً للتطور النفسي.

⭐ الذي كان بالامس يشهّر بك في كل مجلس، بعد ان تقدم له خدمة هو في بحاجة لها، سيمنعه الحياء من أن يُسيء لك ثانية

كما ان من فوائد الاحتواء انه يؤدي الى تكامل الانسان من قرينه الانسان، فالذي يحتوي اليوم انسان بحاجة الى الاحتواء لكي يمر عبر سحب الصعاب صوب السماء الصافية، هو الاخر سيحتاج الى من يحتويه غداً، وهو ما يعضد فكرة؛ أن الكل في المجتمع الانساني يحتاج الى الكل، وهذه فائدة  تبادلية عظيمة للبشر لا ينبغي اغفالها او اهمالها تحت أي طائل او عذر.

وحين يحتوي احدنا صديقه الثائر، او زميله الغاضب، او زوجته العنيدة، او المتوترة، نتيجة ضغوطات معينة، او ارهاق عمل او غير ذلك من موجبات التوتر والقلق، سيفلح في إطفاء نار غضبه وتغيير الاتجاه بدرجة 180م، فالذي كان بالامس يشهّر بك في كل مجلس، بعد ان تقدم له خدمة هو في بحاجة لها، سيمنعه الحياء من أن يُسيء لك ثانية، والذي تبتسم بوجهه وتلقي عليه التحية بطريقة لطيفة ومحترمة، لن يفكر في ان يتكلم بسوء عنك، و إن كان ليس بينكما تواصل نفسي، وكذا الحال في الكثير من مواقف الاحتواء.

وللإحتواء دور في مواجهة الكثير من المواقف التي لو لم تعالج لأفضت الى الكثير من المشكلات التربوية والسلوكية، على سبيل المثال؛ الطفل الصغير عندما تحتويه أمه يشعر بالثقة و الحب، وهو ما يثري شخصيته.

الاحتواء كما أراه حاجة نفسية ضرورية لنمو الشخصية الانسانية، تلك هي ابرز المردودات الايجابية للاحتواء لذا هي دعوة لتقديمه لمن يحتاجه.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا