فکر و تنمیة

مرض الشكوى.. هل اصبح ظاهرة مجتمعية؟

أن تعبر عن استيائك من أمر ما حصل بصورة غير مرضية لك، او مشكلة تعرضت لها، او صعوبة واجهتك، فهذا امر عادي يمارسه كل البشر دونما استثناء، لاسيما مع كون الحياة، لا ولن تسير على نمط واحد، فالصاعد اليوم غداً هابط، والعكس منطقي جداً، لكن ان تتحول الى انسان يشتكي بشكل دائم فهذا يعني أنك تعاني من مشكلة نفسية، والامر هنا ليس هيناً بالمرة، وهو ما دعاني الى التفكير في كتابة ما أنا بصدده الآن.

⭐ البعض يتخذ من الشكوى آلية دفاع يعتقد انها تقيه من الحسد، فيشرع بالشكوى لكي لا يرغب الآخر في السؤال عن أمر يريد الاستعلام عنه كالدراسة، أو الصحة، أو الراتب وغيرها

كان لي زميل لا يترك فرصة إلا و اشتكى فيها من مشكلة يعاني منها؛ مرض، أو قلق، أو تدهور الوضع المالي، وما الى ذلك من انواع الشكوى التي لا تنتهي، فهذه الشكوى المستمرة منه جعلتني أتحاشى الحديث معه، او اكتفي بالسلام والهروب لئلا يثقلني بشكواه، هذا نموذج واحد كنت أضنّه حالة نادرة، لكن اليوم اعتقد اصبح الامر ظاهرة بسبب انتشارها الواسع بين الناس، وهو ما دفعني الى البحث والكتابة في هذه الجزئية التي اغلبنا يعاني منها.

  • اهداف الشكوى:
  1. البعض يتخذ من الشكوى آلية دفاع يعتقد انها تقيه من الحسد، فيشرع بالشكوى لكي لا يرغب الآخر في السؤال عن أمر يريد الاستعلام عنه كالدراسة، أو الصحة، أو الراتب وغيرها، والشعور الدائم بالخوف من الحسد هو الآخر صار ظاهرة اجتماعية مخيفة تجعل الناس في قلق وحذر دائمين، ومن وراء الامر مسببات نفسية تدلل على عدم سلامة صاحب الامر، وبالضرورة هذه المرة.
  2. يمارس الكثير من الناس الشكوى بهدف الشعور بالسعادة، فتصبح بذلك أشبه بالعدوى التي تحدث بفعل مرور المعلومات الى الخلايا العصبية في الدماغ الذي يسهل بدوره تكرار السلوك في المستقبل، حتى يصبح الشخص غير مدرك أنه يقوم بهذا السلوك، ويصبح جزءاً مألوفاً من حياته اليومية، فقد  تغيب السعادة في حال لم يمارسها.
  • الآثار المترتبة على كثرة الشكوى

يثير كثيرو الشكوى، السلبية في محيطهم الاجتماعي الذي ينشطون فيه، الى الحد الذي يجعل الكثير من الافراد يفضلون عدم الاجتماع بهم وهو ما يعني انها كانت سبباً في الخسائر الشخصية على مستوى المجتمع، لكون الآخرين ليسوا مستعدين للشعور بالتذمر والاحباط واليأس في كل مرة يلتقون فيها بهذا النموذج السيئ من البشر، لذا يفضلون المحافظة على طاقتهم النفسية عبر المحافظة على مستوى مقبول من الصحة النفسية التي يجهل الكثير من الناس الآثار السلبية التي تترتب على فقدانها او تدني مستوياتها على الانسان.

  • هل للتركيبة الاجتماعية والتربوية أثر في كثرة الشكوى؟

تلعب التركيبة العاطفية والاجتماعية والتربوية دوراً مهماً في كثرة الشكوى والتشكي لدى المصابين والمرضى، كما أن الدلال المبالغ فيه، يساهم في ذلك، فقد يصادفنا مريض محاط بمجموعة من أهله وأقاربه الذين يبذلون له عناية زائدة، فيبدأ بالتألم والشكوى لإثارة انتباههم فترتفع تأوهاته ويتعالى أنينه مما لا يتناسب مع حالته وشدة ألمه، وهذا ما يدعونا للاستغراب، بينما يجدها ممن يحيطون به شكاوى جدية تستدعي استنفار الطاقم الطبي فنلجأ في كثير من الأحيان، إلى إعطائهم أدوية وهمية لتسكين آلامهم المزعومة، والغريب ايضاً أنهم يستجيبون لها وإن لم يكتشفوا حقيقتها.

  • ما يجب:

ما يجب على الانسان في هذه الحياة هو مواجهة مصائبه ومصاعبه لتخطيها بصمت وبالاستعانة بالله وبالثقة بقدراته على التخطي، وعدم الاستسلام للسخط على ما يقسمه الله لك، والذي يخرج عن طريق التذمر والشكوى، وهو ما يجعل الفرد مستسلماً تماماً لما يحيط به دون ان يحاول تغير من بوصلة حياته للإطاحة بهذه المصاعب والتغلب عليها.

⭐ ما يجب على الانسان في هذه الحياة هو مواجهة مصائبه ومصاعبه لتخطيها بصمت وبالاستعانة بالله وبالثقة بقدراته على التخطي، وعدم الاستسلام للسخط على ما يقسمه الله لك

ثم من الاهمية بمكان ان يعي الانسان ان السعادة لن تأتِ بلا ضريبة، والضريبة هي ما يواجهه، لكنها في النهاية تجعله يحس بقيمة ما يصل اليه، وهذه القاعدة العامة يجب أن يستوعبها الكل حتى يتوقفوا عن التذمر وكثره الشكوى ويقنعوا أنفسهم بمبدأ الرضى، لأن إدمان الشكوى هي إحدى المعوقات للوصول إلى السعادة والشعور بالاطمئنان والذي يفقد الحياة جماليتها ويحولها الى جحيم مطلق.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا