فکر و تنمیة

مهووسون بالأرقام المميزة.. لماذا؟

ذكر لي صديق ذات مرة انه اشترى رقم هاتف لاحد الشبكات المحلية في العراق بقيمة (500) الف دينار عراقي اي ما يقارب ال(300) دولار وهو ما يقرب من مرتب موظف عراقي في وزارة التربية العراقية مثلاً لشهر كامل، الموضوع اثار استغرابي للوهلة الاولى ورحت استعلم منه عما سيضيفه هذا الرقم له، وان لم يمكنه شراء هذا الرقم ماذا سيحدث؟ لم يجبني بما يقنعني حينها اقتنعت انه لا يملك جواب مطلقاً وليس لسلوكه تفسير سوى فراغ العقل  وقلة الوعي وغياب فهم الانسان لنفسه ولما يحطه به.

في عالمنا العربي اصبح الكثير من الناس سيما الشباب منهم مهووسون بالرغبة في اقتناء الارقام المميزة سواء اكانت ارقام موبايل او ارقام لوحات سيارات، وهذا الهوس نابع من حب التميّز والظهور بدوافع الانا المريضة التي لا يهمها النتائج بقدر ما يهمها اشباع الشهوات والرغبات بشتى الطرق ولايهم ان كانت شرعية ام لا، فما هي النتائج السلبية المترتبة على هذا الهوس المرضي، وكيف يمكن معالجته؟

⭐ في عالمنا العربي اصبح الكثير من الناس سيما الشباب منهم مهووسون بالرغبة في اقتناء الارقام المميزة سواء اكانت ارقام موبايل او ارقام لوحات سيارات

إعلانات الأرقام المميزة تتسيد بعض الصحف التجارية، وهذا يجذب أنظار الشباب وبعض الفتيات الذين يرونها مكملاً (للبريستيج)، كما يمثل ضرباً من ضروب التباهي التي اصبح رائجة في سوق الشباب فعبارات: أرقام مميزة للبيع، أرقام مميزة من المالك مباشرة فرصة لن تتكرر للباحثين عن التميز الشهرة، رقم غير مستخدم قابل للتفاوض، وتميز بامتلاكك هذا الرقم، وغير العبارات التي تعلن عن هذه الارقام تراها في الكثير من الاماكن والصحف ووسائل الاعلام.

هذا النوع من الهوس مستشري بين فئة اصحاب الاموال من الناس ومنهم الاعلاميين والفنانين واللاعبين وغيرهم هذه الفئات التي تمتلك اموال هذا في الامر الطبيعي، اما في العراق فقد ساد المرض بين ابناء المسؤولين والضباط وغيرهم من اصحاب المناصب، لكون اغلبهم يحصلون على الاموال بطرق غير شرعية فإن انفاقها بهذه الكيفية لكونهم لم يبذلوا جهودهم في الحصول عليها وهذا امر طبيعي وفق قاعدة (ما تجلبه الرياح تذهبه الزوابع).

⭐ حرص بعض الشباب على اقتناء وامتلاك الأرقام المميزة والقيام بشراء هذه الأرقام بمبالغ كبيرة هو أمر مبالغ فيه ومرفوض شكلاً ومضموناً، وهو من إفرازات الرفاهية غير المقبولة

هذا الهوس لم يقف في نطاق هذه الطبقات التي ذكرتها بل تسلل الى طبقة الكادحين فأصبح العامل يبحث عن رقم هاتف مميز واخر يبحث عن رقم سيارة مميزة رغم انه لا يملك النقود الكافية، او انه جمع مبلغ هذه الرقم بشق الانفس، وللأسف اقول ان الهوس ترتفع نسبه في صفوف الذكور اضعاف ما لدى الاناث على اعتبار هم الاعلى مدخولات او الاقدر على الاتيان بالمبالغ التي تلبي رغباتهم المريضة ومنها هوس الارقام.

  • ما المبررات لاقتناء هذه الارقام؟

في هذا الخصوص تقول استشاري علم نفس الطفولة والمراهقة  الدكتورة فضيلة الفضلي: “ظاهرة الأرقام المميزة ودفع المبالغ الطائلة ناجمة عن الفراغ الفكري والفراغ العقلي والعاطفي لدى الشباب، وهذا الفراغ يدفعهم إلى محاولة التميز في هذه الأمور، ولا شك أن حرص بعض الشباب على اقتناء وامتلاك الأرقام المميزة والقيام بشراء هذه الأرقام بمبالغ كبيرة هو أمر مبالغ فيه ومرفوض شكلاً ومضموناً، وهو من إفرازات الرفاهية غير المقبولة، حيث أن هناك أوجهاً كثيرة يمكن أن تصرف فيها الأموال التي تدفع في الأرقام المميزة، كما أن الأمر يشير إلى تناقض كبير حيث يشكو البعض من ارتفاع الأسعار والغلاء، وفي الوقت نفسه يشترون أرقاما مميزة لا فائدة منها سوى الاستعراض والمباهاة”.

في الختام اليك سيدي القارئ الكريم نقول: ان الانسان بطعبه يسعى الى التميز ويطلبه وهذه احدى سمات الانسان بشكل عام، غير ان السعي الى التميز بهذه الطريقة غير المتعقلة تدلّل بالضرورة على وجود خلل نفسي يبعد الانسان عن واقعيته ويرهقه نفسياً ومادياً،  والافضل ان يبحثون عن طرق اخرى للتميز كالتميز العلمي والاخلاقي والتربوي ولمثل هذا فليتنافس المتنافسون، والا فالتنافس في الامور المادية بمثابة زوبعة سرعان ما تنجلي غبرتها وتعود الامور الى نصابها ويبقى التقييم على اساس انسانية الانسان وما يملكه من ارصدة فعليه وليس ارصدة وهمية فارغة.

عن المؤلف

عزيز ملا هذال/ ماجستير علم النفس

اترك تعليقا