أسوة حسنة

النور الفاطمي برزخا بين النبوة الخاتمة والإمامة العظمى

المقال بحث مختصر عن فكرة محورية أراها مغفَلاً عنها في كتاباتنا و أبحاثنا الفاطمية الحضارية إذ اننا كثيرا ما نتحدث عن فضائلها، ومصائبها، ومظلوميتها، واحزانها التي بدأت ولن تنتهي في هذه النشأة الدنيوية التي تكون السيدة فاطمة الزهراء ع محورا وجوديا لها.

  • فاطمة الزهراء عليها السلام نور البداية

ورد في الرواية المتواترة عن جابر الانصاري قال: قلت لرسول الله، صلى الله عليه وآله، أول شيء خلق الله تعالى ما ه فقال: نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير”.

هذا الخبر العجيب الذي يحدد اول مخلوق، ثم يبين انه منه خلق كل خير، وهل جاء منه إلا سيدتنا فاطمة الزهراء، عليها السلام، فهي الوحيدة التي كانت لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

كما يؤكد العلماء هذا عدا الأحاديث الكثيرة التي تحكي عن النور الفاطمي الذي خلقه الله – سبحانه وتعالى – من نورذاته ليكون برزخا ورابطا بين النبوة والرسالة الخاتمة، والولاية والإمامة العظمى، وإلا فإن الأمر سيكون مختلفا جداً لولاا الوجود المبارك لفاطمة الزهراء، عليها السلام.

ونأخذ هذا الحديث لنستنير به ولن نتجاوزه إلى غيره،  فعن انس بن مالك قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في بعض الأيام صلاة الفجر ثم اقبل علينا بوجهه الكريم فقلت له: يارسول الله ان رأيت ان تفسر لنا قوله تعالى: {فاولئك مع الذين  أنعم  الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا}، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اما النبيون فأنا، وأما الصديقين فاخي علي، عليه السلام، وأما الشهداء فعمي حمزة، وأما الصالحون فأبنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين عليهم السلام.

⭐ ستكون فاطمة مسك الختام من حيث أن المسك الذي ينتظره العالم أجمع بأسماء شتى ومختلف يجمعها المخلّص ونحن نسميه المهدي، عجل الله فرجه، الحجة بن الحسن الإمام الثاني عشر من ائمة المسلمين

وكان العباس حاضرا فوثب وجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: ألسنا انا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من نبعة واحدة قال: وما ذاك ياعم.

 قال: لأنك تعرف بعلي فاطمة والحسن والحسين  دوننا.

 قال: فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وقال: ما قولك ياعم ألسنا من نبعة واحدة فصدقت ولكن ياعم أن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام قبل أن يخلق الله آدم حين لاسماء مبنية ولا أرض مدحية ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولاقمر ولا جنة ولانار.

 فقال العباس: فكيف كان بدأ خلقكم يا رسول الله.

 فقال: ياعم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم كلمة خلق منها نورا ثم تكلم كلمة أخرى فخلق منها روحا ثم مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين فكنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس فلما أراد الله تعالى أن ينشأ الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري ونوري من نور الله ونوري افضل من العرش ثم فتق نور اخي علي فخلق منه الملائكة فالملايكة  من نور  علي ونور علي من نور الله وعلي افضل من الملايكة ثم فتق نورابنتي فاطمة  فخلق منه السماوات والأرض.

 هل من بشرى لكم أيها الأفاضل أعظم من هذا الحديث النبوي الشريف الذي يعلم عمه العباس الذي كان  يظن انهم  من طينته، او انه من شجرتهم المباركة ونبعهم الصافي، فأبان له الحق وأظهر للأمة هذا الأصل النوراني والخلقة لهؤلاء الكرام الخمسة الذين حقا جعلهم الله عللا للخلق، وأسبابا للوجود باحاديثنا كثيرة معروفة بين الجميع كحديث الكساء الذي يقول فيها الرب سبحانه وتعالى:  “يا ملائكتي ويا سكان سماواتي اني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيىة ولا فلكا يسري إلا في محبة هؤلاى  الخمسة الذين هم تحت الكساء”.

فإذا  كانت الخلقة النورانية الأولى مختلفة والطينة الطيبة لهم كذلك مختلفة عن غيرهم من خلق الله، فهم أول وأشرف، وأكرم وأعظم خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ وما يجب أن نعرفه ان السيدة فاطمة الزهراء، عليها السلام، هي المرأة الوحيدة في هذا الخلق الأول ولذا كانت مميزة عن غيرها لأنها لا يشاركها احد من بنات جنسها بهذا المقام وتلك المكانة الراقية جدا والله ـ سبحانه ـ اختارها وفضله لتكون الرابطة بين هؤلاء الأطهار جميعاً فتكون أمّا لأبيها رسول الله، صلى الله عليه وآله، وقرينة لبعلها أمير المؤمنين، عليه السلام،  وأما وأصلا وفخرا وشرفا لبنيها سادة الخلق وايمة المسلمين.

  • فاطمة الزهراء عليها السلام مسك الختام

 كيف تكون فاطمة مسك الختام وقد استشهدت في ريعان شبابها فداءً للحق حيث قتلتها السلطة القرشية لتكون قربان آل محمد الأول لأجل الولاية، او كيف لها وهي التي لا يعرف قبرها أن تكون مسك الختام في هذا القيام والأجواء المظلمة في هذه الدنيا المعتمدة بعدها هنا الجواب لذوي الألباب والأحباب للسيدة النساء، عليها السلام، التي  خلقت لتبقى لا لتموت ولئن كانت في الأرض مجهولة فهي في السماء معلومة.

ولكن ستكون فاطمة مسك الختام من حيث أن المسك الذي ينتظره العالم أجمع بأسماء شتى ومختلف يجمعها المخلّص ونحن نسميه المهدي، عجل الله فرجه، الحجة بن الحسن الإمام الثاني عشر من ائمة المسلمين.

فهل هناك من شك في انه من فاطمة الزهراء، عليه السلام، ابدا بل هناك ستة آلاف رواية وحديث تتحدث عن ذلك الإمام الهمام المنتظر في آخر الزمان ليقوم في حلك الظلام واشتداد الظلم والطغيان حيث الفساد في كل شيء وسيظهر الفسق وعم الجهل بالمبدأ والميعاد.

⭐ يجب أن لا يغيب عن فكرنا وبالنا ولا لحظة واحدة مظلوميتها ومحاولة نصرتها وتعريف الناس بها صلوات الله عليها، بعقد المؤتمرات المباركة والتظاهرات الثقافية الفاطمية

 وكل ذلك وبكل هذا الوضوح يأتي إليك من يشكك بالامام المهدي المنتظر، عجل الله فرجه، وبعضه ينكره ويؤمن بالمسيح الذي سيأتي في آخر الزمان ليصلح ما فسد منه او يقول: انه لم يولد او انه من ولد الإمام الحسن المجتبى، وكل ذلك صحيح لأن المسيح، عليه السلام، سينزل ولكن سيكون تحت قيادة الإمام المهدي.

وهل استطاع ان يصلحها أولا المسيح حتى ياتي ليصلحها بعد هذه القرون المتطاولة في الغي والضلال.

  • الفكرة الحضارية

والفكرة الحضارية التي يجب  أن ننتبه إليها ونشير إليها هنا هي محورية فاطمة الزهراء، عليها السلام، لهذا الكون كيف نراه وكيف لنا أن نفهمه، لأننا نقرأ في الأحاديث الشريفة لاسيما حديث الكساء اليماني الذي ترويه سيدة نساء العالمين فقال عز وجل: “هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة هم فاطمة وابوها وبعلها وبنوها”،  فهذا ليس من قول المخلوق بل من قول احسن الخالقين ورب العالمين.

 إذ أن العجيب في المقام ان الله ـ سبحانه وتعالى ـ لم يجعل  رسول الله، صلى الله عليه وآله، الذي هوعلة العلل واشرف مخلوق خلق على الله هو المحور بل جعل فاطمة الزهراء، عليها السلام، هي المحور وهي التي يدور عليها  الجميع وليس لهذا تفسير إلا في الرواية القادسية المعروفة حيث يقول الباري ـ تعالى ـ في خطابه لحبيبه المصطفى فيقول: “يا احمد لولاك لما خلقت الأفلاك ولولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما”

ماذا يمكن لامثالنا ان نتحدث عن هذا الحديث القدسي لا الانسي أليست فاطمة هي علة وجود اولئك الأطهار الذين خلق الوجود لأجلهم وفي محبتهم.

فمحورية السيدة فاطمة، عليها السلام، تجعلنا  نقف حائرين فيها إذ أن العقول لا تدرك معناها والبشر لاتعرفه حق معرفتها، لأنه على معرفتها دارت الأفلاك فعن ابي عبد الله الصادق، عليه السلام: “إن الله تبارك وتعالى أمهر فاطمة ربع الدنيا فربعها لها وامهرها الجنة والنار تدخل اعداءها وتدخل أولياءها الجنة وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى”

وأخيرا؛ يجب أن لا يغيب عن فكرنا وبالنا ولا لحظة واحدة مظلوميتها ومحاولة نصرتها وتعريف الناس بها صلوات الله عليها، بعقد المؤتمرات المباركة والتظاهرات الثقافية الفاطمية لتكون لنا قدوة في الصلاح وأسوة في النجاح، ونتوسل بها لبلوغ ذلك كله فهي الوسيلة وهي الوجيهه عند الله تعالى وهي المنصورة كما سماها ابوها عند ولادتها.

 نصر الله من نصرها وخذل الله من  خذلها وانتقم الله ممن ظلمها وجعلنا من أشياعها واتباعها وانصارها في القول والفعل إنه ولي ذلك كله والسلام عليها أبد الدهر.

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا