رأي

هل للتعاليم الدينية دور في الحفاظ على البيئة؟

من المعروف أن فكرة الدفاع عن سلامة البيئة في العالم انبثقت من احزاب ومؤسسات مجتمعية في اوربا وتحولت فيما بعد الى منظمات دولية تنظم التظاهرات والاحتجاجات ضد الحكومات التي تسمح بإنشاء المفاعلات النووية بالقرب من المناطق السكنية، وتدين اصحاب المصانع الضخمة التي تلقي بمخلفاتها في الانهار والبحار، كما تبحث في مسببات الاحتباس الحراري بسبب الانبعاثات الغازية من “مزارع الدفيئة”.

وبالرغم من التأثيرات المباشرة للتخريب البيئي من تلوث الهواء والمياه، وارتفاع منسوب البحار ومن ثم الفيضانات، او العكس منه؛ التصحّر، وتراجع المساحات الخضراء، على حياة الانسان وايضاً؛ الحيوان على هذه البسيطة، فإن الاحتجاجات لم تخرج من نطاق هذه المنظمات والاحزاب مثل “حزب الخضر” الشهير في المانيا، وقد تعاضدت مع هذه المنظمات مراكز اكاديمية وبحثية لتوثيق الخروقات والانتهاكات بحق البيئة، ولكن؛ لم يجرب العالم حتى اليوم دوراً للدين في هذه القضية، وما اذا كان لعلماء الدين، من أي طائفة او مذهب، رأياً وموقفاً للدفاع عن البيئة في العالم.

وربما هي الفرصة السانحة لظهور هذا الدور العالمي خلال مؤتمر، ربما هو الأول من نوعه تحت عنوان “الايمان والبيئة” حضره عدد كبير من زعماء الأديان في العالم، واستضافته آيسلندا، تلك الجزيرة الوادعة شمال اوربا، والبيعدة عن صخب الصناعة، وآثار التلوث البيئي، وكانت للمرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي، كلمة متلفزة بعثها من مدينته كربلاء المقدسة، أكد فيها على حقيقة العلاقة الوثيقة، بل والعضوية بين البيئة وبين الدين، وأن الحفاظ على البيئة وسلامتها بمنزلة العمل العبادي والتقرب الى الله ـ تعالى-، كما أكد على حقيقة أخرى أكثر أهمية في أن “هذه التعاليم الدينية التي نجد قبسات منها في جميع تعاليم السماء عبر كل الاديان، تمثل أقوى من أي محرك آخر لعمارة الأرض بالخير”، والدفاع عن سلامة البيئة، وعلى مستقبل الانسان والحضارة البشرية ـ كما جاء في كلمة سماحته -.

ربّ من يتسائل عن قدرة الدين ورجاله فيما عجز عنه الساسة في العالم بالوقوف بوجه روح الاستئثار والجشع لاصحاب الرساميل العملاقة في العالم، واصحاب المليارات والتريليونات؟

 

لعل ما يشهده العالم من أزمات في الصحة وفي الزراعة، وموت الملايين من البشر بسبب الجوع والامراض السرطانية والفياضانات وتسرب الاشعاعات والغازات الكيمياوية، يعود الى عدم وجود البيئة النظيفة

 

انه سؤال وجيه، وغير صعب في آن، فقد تصور الحكام، لاسيما في الدول الصناعية الكبرى أنهم مطاعون وقادرين على التأثير على اصحاب المال والاعمال، من خلال دبلوماسيتهم وعلاقاتهم الدولية، والأهم؛ قدراتهم العسكرية والمخابراتية واسعة الابعاد في جميع انحاء العالم، بيد أن حجم الآثار الكارثية للتلوث البيئي على الشعوب الغربية ذاتها، فضلاً عن الشعوب الفقيرة، كشف حقيقة نفاقهم ومعاييرهم المزدوجة بين ادّعاء الدفاع عن حقوق الانسان، وبين الدفاع عن ارباح الشركات والمصانع. ثم إن الحكومات والانظمة السياسية وجدت نفسها فريسة المصالح الاقتصادية الكبرى ضمن شبكة معقدة ومتداخلة بين عواصم كبرى في العالم، مما حدى بها لأن تترك الشعوب في كل مكان لقدرها، تواجه تغيير المناخ، وذوبان الثلوج في المناطق القطبية، واندلاع الاعاصير والفياضانات، وتعرض السكان للاشعاعات النووية او الغازات السامة المنبعثة من المناجم والمصانع في مختلف بقاع الارض.

 

ولذا نجد سماحة المرجع المدرسي يشير الى مشاعر انسانية كامنة تحمل الحب والاحترام لعلماء الدين، وتصغي لهم، مهما بعدت المسافة بين الجانبين بسبب المنهج العلماني، و”أن لعلماء الدين في العالم كلمة مسموعة من الشعوب”، وأن مسؤولون امام شعوبهم وامام التاريخ وأمام الله ـ تعالى- في تحذير المجتمع من التهاون في مسؤولية الحفاظ على الارض التي وهبها الله ـ تعالى- للبشر سالمة ونقيّة، وكشف سماحته عن الحقيقة الدينية الناصعة التي طالما غفلت عنها البشرية، مستشهداً بالآية الكريمة: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، مذكراً بالمآلات الكارثية في العالم بسبب تهاون البشر في الحفاظ على نعمة البيئة النظيفة، ولعل ما يشهده العالم من أزمات في الصحة وفي الزراعة، وموت الملايين من البشر بسبب الجوع والامراض السرطانية والفياضانات وتسرب الاشعاعات والغازات الكيمياوية، يعود الى نكران هذه الحقيقة.

وعليه؛ يبدو أن أمام زعماء الأديان في العالم “مثلث الضغط” لتغيير الواقع البيئي السيئ، بتعبئة الرأي العام العالمي وتحفيز الشعوب وتحميلهم مسؤوليتهم بالمشاركة في اي نشاط يعارض التلوث البيئي بكل اشكاله، ثم تحميل الحكومات والانظمة السياسية مسؤولية الالتزام بالعهود والمواثيق التي توصلوا اليها في المؤتمرات الدولية، ما أكثرها طيلة العقود الماضية، والضلع الأهم؛ أصحاب المصانع الكبرى والمناجم، بمراجعة حساباتهم ومنهجم في العمل حتى لا يكونوا هدفاً لغضب شعوب العالم أجمع.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا