حدیث الناس

الحسين عليه السلام من يمثّله؟

التصوير: (المرحوم) جلال حشمت

ربما باتت عبارة “نحن من يمثّل الحسين”، أو جملة “الحسين بريء منكم”، مألوفةً عندنا، حيث باتت تتكرر في الكثير من الخلافات أو الصراعات التي تشهدها مجتمعاتنا حول قضايا مختلفة تتعلق بصورةٍ أو أخرى بالجانب الديني، وتسعى كل فئةٍ أو جهة إلى أن تنسب الإمام الحسين عليه السلام لجبهتها.

يقوم هؤلاء أو اولئك -كل على حدٍ سواء- بإطلاق هكذا عبارات، وكأن الإمام الحسين عليه السلام رقمٌ يضيفوه إلى جبهتهم، ويافطةٌ تُرفع مع سائر الشعارات الإعلامية، أو كأنهم الممثل الرسمي والوكيل الحصري لنهضة سيد الشهداء عليه السلام في العصر الحديث وليس لديهم فرعٌ آخر!

وحين تمعن النظر في السلوك الخارجي ستجد مفارقات كبيرة، بين الحسين، عليه السلام، الذي نعرفه ونعشقه، وبين الحسين، عليه السلام، الذي يسوّق له أو يدعّى تمثيله، ولذلك أراني مضطراً لكتابة هذه الأسطر، وأحاول أن أعتمد الإيجاز فيها، وأقول:

أستميحكم يا “هؤلاء” ويا “أولئك” عذراً، و اسمحوا لي أن أقول لكما: أنكما على خطأ!

فليس الحسين، عليه السلام، رقماً يُضاف إلى جماعتكم، ولا شعاراً ترفعوه بوجه من يخالفكم، متى ما احجتم إليه، وليس الحسين، عليه السلام، عنواناً فضفاضاً لإدخال جميع الأفكار المضادة بل والمتناقضة تحته!

يا هذا! ليس الحسين، عليه السلام، عجينةً تصوغها كيف تشاء وحسبما “يصرّف” لك! وليست دماء الحسين، عليه السلام، التي سكنت الخلد، رأس مالٍ تتاجر به للحصول على مكاسب دنيوية آنية.

لا يمثّل الحسين، عليه السلام، إلا من التزم بنهجه اللاحب بشكلٍ كامل، وفي جميع الأصعدة، سواءً على الصعيد الفردي بما يشتمل من خلقيات ومناقبيات في علاقته بالله –سبحانه- أو بمن حوله، أو على الصعيد الإجتماعي، أو على الصعيد السياسي

وبكلمة واضحة وصريحة: ليس الحسين، عليه السلام، تابعاً لك ولخططك وأهدافك، بل هو إمامٌ مفترض الطاعة يجب عليّ وعليك وعلى جميع من يؤمن به أن يتبعه، فهو متبوعٌ لا تابع، و مطاعٌ لا مطيع.

لا يمثّل الحسين، عليه السلام، إلا من التزم بنهجه اللاحب بشكلٍ كامل، وفي جميع الأصعدة، سواءً على الصعيد الفردي بما يشتمل من خلقيات ومناقبيات في علاقته بالله –سبحانه- أو بمن حوله، أو على الصعيد الإجتماعي، أو على الصعيد السياسي.

إن مَن يسير على خطى سيد الشهداء، عليه السلام، ينطلق من الطهر للطهر، لأن الحسين عليه السلام {طهرٌ طاهرٌ مطهّر من طهرٍ طاهرٍ مطهّر}، ويسير وفق منهج {أقمتَ الصلاة وآتيتَ الزكاة}، على المستوى العبادي الفردي، و {أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر}، على المستوى العبادي والإجتماعي، و {أطعت الله ورسوله حتى آتاك اليقين}، في الإستقامة على المنهج القويم.

من يتبّع الحسين، عليه السلام، يتخذ من {سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم} منهجاً لحياته الإجتماعية والسياسية، وحين يرفع راية الإصلاح الإجتماعي لا يرفعها {أشِراً و لا بَطِراً ولا ظالماً ولا مُفسِداً}1، وإنما يرفعها مصلحاً بهدف {لِنُرِيَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَ نُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ وَ يَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَ يُعْمَلَ بِفَرَائِضِكَ وَ سُنَنِكَ وَ أَحْكَامِكَ}2، وحينئذٍ يستمد الإستقامة من إيمانه بالله، فلا يتوانى في حركته ولا يزعزعه بريق المال أو أثير السيف فـ {لَا أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إِعْطَاءَ الذَّلِيلِ وَ لَا أَفِرُّ فِرَارَ الْعَبِيدِ})3، وذلك لأنه يستمد كرامته وعزّته من الله سبحانه الذي يأبى له الذل والهوان و{هَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ يَأْبَى اللَّهُ لَنَا ذَلِكَ وَ رَسُولُهُ}4.

بلى؛ لكل من يأخذ من سيد الشهداء، عليه السلام، نبراساً، ومن نهضته منهجاً، نصيبٌ من نوره وأجرٌ في إتباعه، أ و ليس الحسين، عليه السلام {مصباح هدىً وسفينة نجاة}؟  ولكن هذا لا يعني أن يقوم الواحد أو تقوم جهة بتحديد سيد الشهداء، عليه السلام، فيها، وكأنها هي فقط -ولا غيرها- تمثّله، أ وَ هل يمكن اختزال البحر الطمطام في شاطئ؟!

——————————————-

1- مكاتيب الأئمة، عليهم السلام، ج3-ص311

2- تحف العقول، ص239.

3- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2- ص 98.

4- مثير الأحزان، ص 55.

عن المؤلف

السيد سجاد المدرّسي

اترك تعليقا