قانون

حماية الأسرة أم هدمها؟

تتسارع الخطى نحو تشريع قانون العنف الأسري، مع تصاعد موجة إعلامية كبيرة لإبراز صور وحالات العنف ضد ..؟؟

تتسارع الخطى نحو تشريع قانون العنف الأسري، مع تصاعد موجة إعلامية كبيرة لإبراز صور وحالات العنف ضد النساء.

ففي الوقت الذي قدم رئيس الجمهورية في العراق؛ برهم صالح ـ وفي سابقة غير معهودةـ مشروع قانون العنف الأسري للبرلمان، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي سجالاً محموماً حول ضرورة تشريع هذا القانون “لحماية المرأة” من عنف الرجال، متعكزين في ذلك على بعض الجرائم والحوادث التي يعدها المدافعون عن القانون مبررات ودوافع كافية لتشريع مثل هذا القانون.

وبالرغم من أن القانون لا يضيف جديداً لحقوق الزوجة في الدفاع عن نفسها، يبقى السؤال حول ضرورة تشريع هذا القانون في هذا الوقت الحرج، فبدل أن يبت رئيس الجمهورية بقانون الانتخابات المصوّت عليه بالبرلمان، وبدل أن تنشغل منصات الإعلام الجمعي بالقضايا الحياتية حيث يعيش المواطن العراقي تفاقم جائحة كورونا، و أزمة الإقتصاد، والفشل الحكومي في قطاع الخدمات، ترى التركيز الكبير، وتصاعد الضغط من أجل تشريع هذا القانون الذي يحظى بتأييد كبير من الدول الأوروبية والأمم المتحدة.

والسؤال المهم هنا: هل حقاً يعد هذا القانون حماية للأسرة العراقية من العنف، أم أنه قانون لهدم الأسرة بذريعة العنف؟

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نسلط الضوء على ثلاثة نقاط.

 

 

[.. إذا كان هذا القانون لم ينفع في الحد من العنف الأسري في الدول المتقدمة فماذا عساه أن ينفع في بلادنا؟ ولماذا يصور القانون على أنه المنقذ للمرأة والحال أن الحقيقة خلاف ذلك؟..]

 

  • النقطة الأولى: قانون العقوبات وحماية المرأة

الناشطون، ومنظمات حقوق المرأة، وحقوق الإنسان الدولية والمحلية، يتعمّدون إخفاء حقيقة، يعلمها القانونيون والمحامون، ومن له أدنى إطلاع بالمحاكم الأحوال الشخصية، وهي أن “الزوجة” تتمتع بجملة قوانين ـ رغم أنها مخالفة للشريعةـ تمكنها من أخذ حقوقها وزيادة من الزوج والحصول على التفريق القضائي، هو الأمر الذي تسبب بارتفاع نسبة التفريق في المحاكم بصورة مخيفة في الفترة الأخيرة.

كمثال على ذلك يمكن الاشارة على فقرة الأثاث الزوجية، والنفقة الماضية والمستمرة، ونفقة الاطفال، وحضانة الأطفال، وأجور الحضانة، وحق الفراش.

كما أن الأمراض المزمنة مثل؛ السرطان، والإيدز، وايضاً تعاطي المخدرات والكحول والسجن المؤبد وتعنيف المرأة بالضرب، كلها أسباب كافية لطلب المرأة التفريق القضائي، أضف إلى ذلك أن المحاكم شهدت رد دعاوى الرجال في لزوم بيت الطاعة بأسباب واهية جداً كوجود الجِنّ و تخايل الصور المخيفة! أو عدم ارتياحها من الناحية النفسية في البيت او المنطقة او غير ذلك.

وفي المقابل لا يمتلك الرجل أيّ نص قانوني يمكنه من تأديب الزوجة وضربها سوى ما نصّ عليه قانون العقوبات لسنة 1969 النافذ وتحديداً المادة الحادية والأربعين منه والتي تنصّ على: “لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون، ويعد استعمالاً للحق: تأديب الزوج لزوجته، وتأديب الآباء والمعلمين، ومن في حكمهم الاولاد القُصّر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً”، بينما لا تعطي هذا المادة حقاً للرجل في ضرب زوجته كما أوضحته المحكمة الاتحادية العليا في جلستها في تاريخ 8/4/ 2019 برئاسة القاضي مدحت المحمود وحضور القضاة الاعضاء كافة، مؤكدة أنَّ التأديب لا يعني بأي شكل من الإشكال العنف الأسري المقصود.

وبعد كل ذلك فما الحاجة لتشريع قانون جديد؟ ألا يكفي تعديل المادة القانونية محل الجدل، وهذا هو السؤال الذي يدفعنا للشكوك حول خلفية هذا الاندفاع الكبير لتشريع القانون.

 

 

[.. يتضمن القانون المقترح فتح “مراكز آمنة لضحايا العنف الأسري” ألا يُعد هذا البند تمهيداً للطريق لهروب مرتكبات الفواحش من عصمة الآباء ولجوؤهن لمثل هذه المراكز؟ ..]

 

 

  • النقطة الثانية: هل قانون العنف الأسري سيحمي المرأة؟

التركيز على صور ضرب المرأة، بل ونشر أخبار انتحار النساء (الزوجات) لا شك أنها تمثل واقعاً مؤلماً ومحركاً للمشاعر، فنجد تفاعلاً كبيراً من قبل فئة الشباب والشابات معها، حتى لو كان المخطئ هي المرأة نفسها، كما شهدنا ذلك مع حادثة انتحار المرأة النجفية.

ولكن تُرى هل سيحمي هذا القانون المرأة من التعنيف؟

بمراجعة سريعة للدول التي شرّعت مثل هذا القانون منذ أمد بعيد وتتعامل بحزم بالغ مع مثل هذه الجرائم، نجد أن هذا القانون لم يستطع أبداً الحد، أو حتى التقليل من هذا العنف ففي دراسة أجريت عام 2016 من قبل الأمم المتحدة، نجد أرقاماً مخيفة؛ ففي ألمانيا، والتي تصدرت هذه الدول، تعرضت 34265 امرأة للعنف، أغلبها من قبل شريك الحياة.

تلتها في القائمة فرنسا (32941)، والسويد (20013)، وبلجيكا (10273)، و اسبانيا (9869)، ونذرلاند (هولندا سابقا)، برقم (7355)، والنمسا (3479)، والدنمارك (2176).

هذا في أوربا، أما في الولايات المتحدة فتشير الإحصاءات إلى أن 75% من العنف تجاه النساء هو من الأزواج، ثم 9% من الأزواج السابقين، ومن ثم الأصدقاء، وأما الأرقام، ففي عام 1993 تم توقيف أكثر من نصف مليون رجل أميريك (575000) لارتكابهم العنف ضد النساء.

وأما في اليابان فقد أشارت بعض الإحصاءات إلى أن 15% من النساء فيها يتعرضن للعنف والذي يشكل العنف الأسري منه الغالب.

ولنا أن نتسائل، إذا كان هذا القانون لم ينفع في الحد من العنف الأسري في الدول المتقدمة فماذا عساه أن ينفع في بلادنا؟ ولماذا يصور القانون على أنه المنقذ للمرأة والحال أن الحقيقة خلاف ذلك؟

ثم لماذا التركيز في الإعلام على العنف في الدول الإسلامية، وإخفاء كل هذه الإحصاءات والأرقام عن الدول الغربية، مع الأخذ بعين الإعتبار النسب السكانية في هذه الدول.

 

  • النقطة الثالثة: المرأة أم الأسرة؟

بنظرة سريعة إلى مقترح القانون، يجد الباحث القانوني، التعويم في المواد، مما يجعل باب التكهن في المراد من هذه البنود واسعاً، والقدرة كبيرة على التلاعب به مستقبلاً، إلا أن بعض فقرات المشروع تكشف بشكل واضح أن المشرع أراد من خلاله رفع يد الأب عن الأسرة، كما هو الحال في الكثير من الدول الغربية، مما يجعلنا نسمي هذا القانون بقانون تهديم الأسرة.

اليكم بعض الملاحظات السريعة:

الف: في المادة -20- أولاً: ينصّ القانون أن “على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية فتح مراكز آمنة لضحايا العنف الأسري في بغداد والمحافظات كافة، لحمايتهم وإعادة تأهيلهم، مع مراعاة الاحتياجات لخاصة لذوي الإعاقة، ويحق للمنظمات غير الحكومية المتخصصة فتح وإدارة المراكز الآمنة بموافقة وزارة العمل والشؤون الإجتماعية ووزارة الداخلية”.

ألا يعد هذا البند تمهيد الطريق لهروب مرتكبات الفواحش من عصمة الآباء ولجوؤهن لمثل هذه المراكز؟ وهل يمكن أن نقرأ ما بين سطور هذا القانون حماية الشذوذ الجنسي وصوره المختلفة المنبوذة في مجتمع مسلم كالمجتمع العراقي؟

باء: هل القانون يريد حماية الأسرة ـ كما ينصّ في المادة الثانية منه- أم هدمها بتوجيه الفتيات نحو دور البغاء؟ والشاذين جنسياً إلى مكانات “آمنة” لممراسة شذوذهم برعاية “الأمم المتحدة”! خصوصاً مع تفسير العنف ـ في المادة الأولى من القانون ـ بكل فعل أو “امتناع عن فعل أو التهديد بأيّ منهما”، يرتكب داخل الاسرة!

جيم: ثم ما الحاجة إلى تشكيل “اللجنة العليا لمناهضة العنف الاسري” كما ينصّ عليه القانون في المادة الثالثة، مع إشراك “منظمات المجتمع المدني”؟ أليست المحكمة المختصة بالعنف الأسري الذي أشار اليها القانون ومديرية حماية الأسرة التابعة لوزارة الداخلية هما المعنيان بهذا القانون؟ فما الحاجة لتشكيل مثل هذه اللجان العليا؟

دال: أما الكارثة الكبرى في المادة الثامنة عشر فهي تصريح بعد تلويح، لما أسلفنا، حيث يمنع المشكو منه (الأب في الغالب) من دخول منزل الضحية أو الاقتراب من أماكن تواجده أو الاتصال بالضحية سواء في المنزل، أو في مكان العمل، وإلزامه بالخضوع لدورات تأهيل من السلوك العنيف في مراكز متخصصة، كما يتم إيقاف العمل بالوكالة العامة أو الخاصة الممنوحة من الضحية للمشكو منه من تاريخ تقديم طلب الحماية.

و أخيراً؛ يجدر الإشارة إلى أن الدين ضمن للمرأة الحياة الكريمة في ظل الأسرة ـزوجة كانت أم بنتاًـ وقد قال النبي ص: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”، وقد ورد في الحديث الشريف: “من مدّ يده على زوجته ليلطمها إنما مد يداً في النار”، وتثبت الدية الشرعية للزوجة على الزوج والبنت على الأب، وكذا العكس في حال أدى الضرب إلى الاحمرار أو الجرح او ما شاكل ذلك.

وعليه فإنَّ حماية الأسرة لا تحتاج سوى الرجوع إلى تعاليم الدين الحنيف ونشر الثقافة الصحيحة، بدل تشريع المزيد من القوانين.

 

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا