ثقافة رسالية

حتى لا نكون علمانيين!*

لا يمكن الجمع بين الدين و العلمانية لأنهما طرفي نقيض، الإسلام يريد ..؟؟

هل يمكن الجمع بين العلمانية و التدين؟
وهل الإسلام يؤمن بالعلمانية؟
لا يمكن الجمع بين الدين و العلمانية لأنهما طرفي نقيض، الإسلام يريد أن يكون للدين رؤية في الحياة، والعلمانية تريد ذلك. وبهذا المعنى تكون العلمانية نقض لحاكمية الدين، ولذا فإن العلمانية تغلف بأغلفة مختلفة مثل الحرية الشخصية و ما شابه لكن حقيقتها واحدة.
والدين مجموعة من الشرائع جزء منها مرتبط بحياة الإنسان الشخصية، والجزء الآخر مرتبط بحياته الإجتماعية، وأصل كل تلك الشرائع مجموعة من القيم و المبادئء و الخطوط التي لا يجوز تجاوزها، يقول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، والقسط مبدأ و قيمة أساسية في الأديان و لا يمكن أن يحدث هناك ظلم.
وكما أن للدين رأي في الحياة، فإن للبشر أيضا رأي فيها حسب رؤية الدين، فمن يريد أن يتزوج مثلاً، فإنه يختار له زوجة كما يريد، ومهمة الدين اعطائه المعايير والاطر والتوجيهات، لكنّ الإختيار والتعيين يبقى له و بيده.

[ .. الدين لا يمنع الانسان من وضع نظرية اقتصادية مثلاً لكنه يعطيه الأطر العامة و الوصايا اللازمة فهناك ثوابت لا يمكن تجاوزها ..]

و الدين أيضا لا يمنع الانسان من وضع نظرية اقتصادية مثلاً. لكنه يعطيه الأطر العامة و الوصايا اللازمة، فهناك ثوابت في الدين لا يمكن تجاوزها و هناك متغيرات يمكن أن تتغير و تتطور حسب الزمان و المكان.
ومشكلة العلمانية هي أنها تجعل كل ثوابت الدين متغيرة، فحجاب المرأة من الثوابت في الدين الاسلامي، ولأن العلمانيين لم يستطيعوا سبيلا الى ابعاد الحجاب عن المرأة المسلمة، فقالوا: ” أن على المرأة المسلمة محاكة التطور، فليس مهما أن يكون الحجاب ساترا لها، كأن يكون مبدياً لشيء من زينتها، أما مشكلة السلفية فهي تجعل كل متغيرات الدين ثوابت، مثلاً يقولون: “مادام أن النبي ذهب إلى مكة راكباً جملاً، فعلينا أن نركب الجمل، و لا يجوز ركوب، وأن لا نفعل شيئا كان لا يفعله الرسول الاكرم، صلى الله عليه وآله.
أما في الجانب السياسي فإن الدين يضع الأطر و القيم و المبادئ، لأي قضية سياسية، أما السياسة العلمانية فليس فيها أي قيم وأي أُطر، فلا مانع عندهم من قتل الآلاف من الاطفال في سبيل الوصول الى مكسب معين، كما يحدث اليمن مثلاً.

  • حتى لا نكون علمانيین!

نحن عملياً نمارس العلمنة بشكل أو بآخر في حياتنا اليومية، عندما قلصنا مساحة الدين حتى اصبح الدين في حياتنا مجرد العبادة فقط، فالعلمانية هي أن تقتصر ديانتك على العلاقة العبادية بينك و بين ربك، و لا يتدخل الدين في حياتك، و نحن نمارس هذا عندما نستبدل الرؤية الدينية بالرؤية البشرية للحياة، و العقل البشري قاصر عن معرفة الحق والباطل، لكن أي عقل يستطيع معرفة الحق من الباطل والصح من الخطأ؟
إنه ذلك العقل المتنور بالوحي، و إلّا فإن العقل المملوء بالرغبات والشهوات و الأنانية والمصالح ليس عقلاً يصل بنا الى الحقيقة، ولذا ترى أن خلاصة الأفكار التي تبينها أفلام الأكشن و رسالتها، هي أنه ليس هناك صح و خطأ، و لا حق و لا باطل و أن الحق هو للمنتصر.

[.. مشكلة العلمانية هي أنها تجعل كل ثوابت الدين متغيرة ..]

يقول أرئيل شارون، رئيس وزراء الكيان الصهيوني: ” أن رصاصة واحدة أفضل من كل قرارات الأمم المتحدة”، و يقول: ” أن ما لا يمكن الحصول عليه بالقوة؛ يمكن الحصول عليه بالمزيد من القوة.” هذا هو منطق العلمانية الخالي من المبادئ و الأخلاق والقيم.
ولابد علينا من ملاحظة أنفسنا عندما نجلس ونقوم بتحليلاتنا السياسية و لنسأل أنفسنا : هل تحليلاتنا مبنية على القيم و المبادئ والتشريعات الدينية؟
فإذا لم تكن مبنيةً على القيم و المبادئء الدينية فإنّ تحليلاتنا علمانية، و هذا يعني أننا نمارس العلمانية واقعاً و لا نمارس الدين، فالدين يأمرنا أن لا نتكلم من دون علم، لكننا نتكلم من دون علم، فهل نحن نتبع الدين أم العلمانية؟
إن الدين يأمرنا أن لا نتكلم بالظن، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، يقول الرسول الاعظم، صلى الله عليه وآله: “احترسوا من الناس بسوء الظن”، ويقول الامام علي، عليه السلام،: ” من ساءت ظنونه اعتقد الخيانة بمن لا يخونه”، وعندما نمارس هذه القيم المخالفة للدين فنحن نمارس عملية العلمنة واقعاً، ربما نجد أحداً يصلي أفضل صلاة؛ لكنه يمارس العلمانية في حياته، لأن الدين ليس ظواهر و قشور و إنما قيم سامية.

——————————————–

  • مقتبس من محاضرة للسيد محسن المدرّسي في احدى الندوات الجامعية.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا